(50) قيم… رمضانية
يُخطئ من يعتقد أن القوانين البشرية لوحدها في غياب وتغييب الضمير الذي يمثل صوت الحق والخوف من الله داخل كل إنسان قادرة على ردع الناس ومنعهم من الفساد أو أنها هي الضمانة الوحيدة لحماية مصالح عامة الناس من الأنظمة والحكام، من أجل تحقيق الحق وإقامة العدل بين الناس وعليه يستقيم الجميع الحاكم والمحكوم على حد سواء في حضور الهوية والانتماء.
فالذي يتحكَّم في مصير الناس هو الظاهر في تصرفاتهم وأفعالهم والباطن لا يعلمه إلا الله، والنظام الحاكم يمكن أن يطبق القانون الإنساني على الظاهر إذا استطاع من خلال آلياته، التي قد تمكنه من إحقاق الحق وإبطال الباطل على الجميع دون استثناء، لأن قوة الحكومة تأتي إذًا من منع العدوان الظاهر ومن رفع الظلم البين على الناس مع الأخذ في الاعتبار، القدرة الفائقة عند بعض المدلسين على الخداع والاحتيال واللحن في الكلام واختراق القانون وتطويعه عن عمد وتحويله في الاتجاه الخاطئ من أجل إبطال الحق وتمكين الباطل حتى ولو إلى حين.
أمَّا الباطن فقد يكون مليء بالخير والحب للناس فيدفعهم إلى العمل الجماعي من أجل الحفاظ على الصالح العام وحماية المال العام وهذا يؤدي إلى تقوية وتماسك بنيان المجتمع وضبط سلوكه، مما يجعله وحدة واحدة متماسكة يكمل بعضها البعض الآخر وقد يكون الباطن مليء بكل أنواع الشرور والآثام ومحفوف بكل الشوائب من قبل الغش والتزوير والخداع والاختلاس والغدر والخيانة والتدليس والفساد المغطى بعلامات التقوى والصلاح وغير ذلك مما يرتكبه أرباب السوابق وأصحاب الشهوات، فآن للحكومة أن تتمكن من اكتشاف بؤر الفساد؟ وكيف تتمكن من دفع هذا الضرر الواقع على العباد، أو يكون لها قدرة على معرفة دخائل الفاسدين ومكامن الخيانة في نفوسهم، حتى تتمكن من محاسبتهم وحماية البلاد والعباد من غدرهم وخياناتهم وفساد أهوائهم وشيطنة حيلهم.
ومن هنا نجد أن توافق الظاهر مع الباطن أمر حيوي ومركز ومركزي في تقدم الأمم والشعوب، وهذا ما وثقه الإسلام في العقيدة والعبادات والمعاملات، من أجل سيادة الحق والعدل بين الناس، في وجود الصدق والأمانة والشفافية، فيستقر المجتمع ويعيش الجميع في أمن وأمان واستقرار ويطمئن ساكنيه على حاضرهم ومستقبلهم .
ولن يضبط هذا الميزان، أو يعيد التوازن بين الظاهر والباطن، إلا من خلال وجود العقيدة والإيمان، وتمكنها من قلوب وعقول الناس، حتى يتساوي ظاهرهم مع باطنهم في كثير من الأحيان أو حتى في كل الأحيان، فلا يمكن أن يعتمد الإنسان على التقدم والازدهار في الاعتماد على المادة فقط، من خلال الاهتمام بالعلم والمعرفة والبنيان، من أجل تقدم الاقتصاد في وجود خواء معنوي وروحي، لا يعير أي أهمية ولا اهتمام لوجود الضمير ولا يهتم بأهمية رقابة مؤسسات الدولة بكل الأجهزة الرقابية، ولا رقابة الله في كل الأحوال.
ومن هنا فإن التكامل بين الروح والمادة صمام أمان وهو الذي يمكن الإنسان من العمل المثمر والجد والاجتهاد، وهذا يؤدي إلى عمارة الأرض، ولذلك فإنه من الأهمية بمكان أن تتكامل المادة مع الروح في وجود العقيدة والإيمان التي تعتبر رقيب على تصرفات الناس.
وهذه القيمة الرمضانية العظيمة الخمسون والتي يجب علينا أن نتعلمها من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان في الدائرة الثانية في الدنيا، تؤكد أن القوانين البشرية وحدها لا تكفي في غياب الضمير الذي يمثل صوت الحق والخوف من الله في تكامل الروح والمادة والعمل المثمر الذي يؤدي إلى عمارة الأرض.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
2 تعليقات