(14) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
كل الإشارات القرآنية التي تتحدث عن بداية خلق الكون ونشوئه، تتحدث عن عملية الرتق والفتق والتي تمثل حقيقة علمية ثابتة لأن المتحدث هو الله الذي خلق الكون وأعلن ذلك بنفسه وعلى لسان أنبيائه ورسله، وتظل الدعوة قائمة لله إلى أن يأتي من يعارضها وينقضها ولن يأتي أحد، قال تعالى: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” (الأنبياء: 30).
والربط في هذه الآية الكريمة بين الكافرين وخلق السماوات والأرض وحقيقة الرتق والفتق ووجود الماء، يعني وجود قواسم مشتركة بين السماوات والأرض والرتق والفتق والماء، وتؤكد أن الكافر الذي ينكر وجود الله سوف يأتي ليعارض خلق الكون ونشأته، بهذه الطريقة وتلك الكيفية التي يتحدث عنها الله في القرآن الكريم بالرغم من محدودية علمه وفهمه، لأن الله يعلم حقيقة خلق الإنسان قبل أن يخلقه.
وإذا كان الحديث في هذه الآية الكريمة موجهًا بالدرجة الأولى إلى الكافرين بالله، الذين لم يخلقوا بعد، عند نزول القرآن الكريم، فهذا معناه استشراق المستقبل، بالحديث عن هؤلاء الكافرين الذين لم يولدوا ولم يأتوا إلى الحياة، بل كانوا في علم الغيب الذي لا يعلمه إلَّا الله، ومع ذلك تحدث عنهم وأخبر عن حالهم وإذا بنا نجدهم بيننا بعد الحديث عنهم من أكثر من 1400 سنة.
الإشارات القرآنية عن بداية خلق الكون
وهذا يؤكد أن حديث الله عن كيفية خلق السماوات والأرض، هو الحديث العلمي الوحيد الثابت والذي لا يتغير والذي يجب أن نؤمن به ونصدقه، ويؤكد حقيقة أن حديثه عن خلق السماوات والأرض، الذي يخبر به الكافرين الآن قبل أن يولدوا وكأن إخباره لهم أصدق من رؤيتهم له بأعينهم.
فإذا استحضر الإنسان المشهد، سيتأكد أن الله هو الذي خلق الكون من عدم وأمده من عدم والمفروض أن الذي خلق هو الذي يتحدث عن كيفية ما خلق، وها هو الله يقول لنا كيف خلق السماوات والأرض، موجهًا حديثه إلى الكافرين به والمضلين لعباده، قبل أن يخلقهم وقبل أن يأتوا إلى الحياة وهذا في حد ذاته إعجاز جمع بين منهج القرآن الكريم وما فيه من معجزات.
فكانت السماوات السبعة والأرضين السبعة متصللة مع بعضها البعض الآخر في وحدة واحدة وملتصقة مع بعضها في كتلة واحدة في حالة الرتق، ثم فصلت السماوات السبعة عن الأراضين السبعة بالفتق، فكان الهواء والماء والشمس من السماء وكان النبات والغذاء من الأرض وعملية الرتق والفتق، نتج عنها كون منظم ومرتب بشكل علمي مضبوط وحسابي محسوب بدقة متناهية على مستوى كلياته وفي كل جزئياته، على غير الحالة التي يكون فيها الكون ناتج عن الانفجار العظيم كما تتحدث عنه بعض النظريات والفرضيات العلمية.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، لأن المعجزة الكبرى والآية العظمى، تتمحور في كيفية فصل السماوات السبعة بحجمها الهائل الذي ليس له تقدير عن الأرض بحجمها الصغير جدًا والذي لا يتعدى نصف مليار كم، دون أن يحدث خلل أو اضطراب في عملية الفصل، ثم يعاد ترتيبهما بالشكل القابل للحياة والاستمرار، ثم ما هي هذه المادة اللاصقة المعجزة التي تلصق السماوات والأرض بهذا الشكل المتقن ويتم فصلهما بهذا الشكل المبدع؟
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر