(27) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
خلق الله الكون في اللحظة الأولى من بدايته وهو في عالم الذر من ذرة الهيدروجين من جزيء الماء الذي تحت عرش الرحمن، ومنها بزغت بذرة خلق السماوات والأرض، فكان الدخان الذي علا الماء يتكون من ذرة الهيدروجين، التي مثلت الغاز الكوني فيما بعد، بعد خلق السماوات والأرض، قال تعالى: “ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ” (فصلت: 11).
وهذا الكلام الموجَّه من قبل الله سبحانه وتعالى إلى السماء والأرض في عالم الذر قبل الخلق، كان مثل الكلام الموجّه إلى خلق آدم وذريته في عالم الذر، قبل خلق آدم وذريته في الميثاق الأول، قال تعالى: “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدم مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ” (الأعراف: 172).
اللبنة الأولى في خلق السماوات والأرض
فكانت البذرة واللبنة الأولى التي وضعها الله في خلق السماوات والأرض، ثم خلقت السماوات والأرض في الخارج والداخل بشكل متداخل وخلق بنيانهما الداخلي وسوَّى البناء بالكامل بشكل متدرج في نفس اللحظة مرة واحدة.
ثم تحدَّث بالتفصيل عن خلق السماوات والأرض في سورة فصلت بعد اللحظة الأولى للخلق، والتي كانت فيها السماوات والأرض في عالم الذر وفيها لم يكن هناك تمييز بين السماوات والأرض ولكن الوجود كان في صورة دخان.
ثم أصبح التمايز واضح في خلق البنية الأساسية للسماء والأرض معًا وفي نفس اللحظة وضح ذلك في سورة فصلت، فبدأ يخلق السماوات والأرض معًا في الأربعة أيام الأولى ثم أوحى في كل سماء أمرها وما فيها من مخلوقات وخلق معها الأرض، ثم في اليومين التاليين والمكملين للأيام الستة، جعل في الأرض رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها للناس إلى نهاية الدنيا، ثم اكتمل البناء وسويت السماوات السبعة ودحيت الأرض في اليوم السادس.
قال تعالى: “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” (فصلت: 9- 12).
استعراض قضية خلق خلق الأرض والسماوات
وذكر التفصيل، كما جاء في سورة فصلت كان الهدف منه، استعراض قضية خلق الأرض والسماوات، بالترتيب التصاعدي في الحديث عن الخلق من الأقل والأدنى في الأرض إلى الأعلى في السماوات ولا علاقة له بالترتيب الزمني واكتمل خلق وبناء السماوات السبعة والأرض في نهاية اليوم السادس.
وهذا فيه إعجاز كبير، لأن خلق السماوات والأرض، تمَّ في اللحظة الأولى في عالم الذر، وفيه كانت السماوات والأرض مبهمة غير متميزة ثم سويت بشكل تدريجي ودحيت في ستة أيام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد