(28) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
في سورة النازعات فكان الترتيب الزمني للحدث، واضح وصريح في قوله تعالى “أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا” (النازعات: 27- 30).
وهذا معناه أن الله خلق السماوات والأرض معًا في نفس الحظة في الزمان والمكان، ولكن في الترتيب المكاني كانت الأرض أسبق إليه في فصلت، بينما في الترتيب الزماني كانت السماء أسبق إليه في النازعات، مما يؤكد أن خلقهما بدأ معًا وفي نفس اللحظة مكانًا وزمانًا، عندما وجد المكان وخلق الزمان في بداية الخلق بغض النظر عن وظيفة التكوين وطبيعة التشكيل التي طالت خلق السماوات والأرض في الخارج والداخل.
فلو استكمل تكوين الأرض وبنائها في الأربعة أيام الأولى ثم بنيت عليها السماء، في اليومين الخامس والسادس، فكيف تستطيع الأرض أن تستكمل بناءها الداخلي وتوزيع أقواتها فيها وتقدير بركتها في الأيام الأربعة الأولى، بلا وجود غطاء من السماء وما فيها من إغطاش ليلها وإخراج ضحاها؟
مما يعني أن الاكتمال الأولى لخلق الأرض كان في وجود غطاء من السماء وبعد أن تم رفع السماء وتسويتها، دحيت الأرض بحيث تكون صالحة للسكنى والعيش فيها، فكانت مرحلة دحي الأرض جزء من مرحلة استكمال خلق الأرض في أربعة أيام واستكمال خلق السماوات والأرض في ستة أيام.
بداية الخلق واحدة ونفس الترتيب الزمني
وهذا معناه أن بداية الخلق كانت واحدة وفي نفس اللحظة، ثمَّ كان اكتمال وتسوية البناء معًا في نفس اللحظة، ثم استمرار آلية وعملية تجديد وخلق الكون لنفسه بنفسه قائمة حتى هذه اللحظة في القرن الحادي والعشرين، وأن السماوات والأرض سوف تنهار مرة واحدة معًا في نهاية الدنيا وفي لحظة واحدة، كما خلقت معًا في نفس اللخظة.
وفيها يتم طيّ السماء الدنيا الموجودة بأسباب الله في الدنيا وزوالها، ثم تبدل بسماء الآخرة التي ستكون قائمة في نور الله وعلى نور الله، وأكد سبحانه على أنه فاعل كما وعد في الدنيا، قال تعالى: “يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ” (الأنبياء”: 104).
وبعد انهيار السماوات والأرض الموجودة في الدنيا الآن، والتي نعيش فيها بأسباب الله، يتم استبدال الأرض بأرض أخرى والسماوات بسموات أخرى موجودة الآن ولكن يرفع عنها الغطاء، في بداية أحداث الآخرة، والتي سوف نعيش فيها مع الله وفي نوره، قال تعالى: “يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ” (إبراهيم: 48).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، لأن خلق السماوات والأرض، تمَّ في اللحظة الأولى في عالم الذر، ثم سويت السماوات ودحيت الأرض وستنهار السماوات والأرض في آخر الدنيا، ثم يحل محله بناء جديد من السماوات والأرض يناسب أحداث الآخرة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر