(9) مشروع الفسيلة… ودروس من الهجرة
استراتيجية مشروع الفسيلة، تعتمد على تحويل العامل الفقير والمحتاج، إلى مالك وصاحب مشروع حياتي خاص به، يقدم من خلاله عمله ويقدم خدمة لنفسه وأسرته ووطنه وأمته وإنسانيته، من خلال مشروع نموذجي وفريد من نوعه على مستوى البشرية، يقدمه الإسلام خدمة جليلة للإنسانية جمعاء.
وبهذا المعنى البسيط، يمكن أن نستنبط الكثير من الدروس والعبر والعظات المستفادة من هجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومشاركة أصحابه الأبرار لمشروع لفسيلة، الذي يستنهض الهمم ويستنفر العزائم، ويكشف عن المعدن النقي والصلب لهذه الأمة، في وقت الشدائد والمحن.
فيمكن أن يدشن على أرض الواقع ويطبق بشكل عملي، من خلال العمل الجماعي، والذي يكون ثمرة العمل والإخلاص والجد والاجتهاد، كما فعل الصحابة في العهد الأول، ويكون هدفه وثوابه في المقام الأول والأخير هو في تقديم صدقة جارية للفقير من خلال تمليكه مشروع خاص به يحوله إلى غني، ويساهم هو الآخر في تحويل فقير آخر إلى غني آخر في سلسلة متصلة الحلقات.
وبدلًا من أن يتحول الفقير إلى متسول ينتظر المعونة من الآخرين، ويمد يده في كل وقت وحين من خلال بضعة أموال نقدية تعطي له في كل مناسبة ولا تكفيه لإطعام نفسه وأسرته، وتذهب هذه الأموال هباءً منثورًا لا وزن لها ولا قيمة يتحوَّل الفقير، بفعل مشروع الفسيلة إلى منتج ومالك لمشروعه الخاص الذي يعينه على ظروف الحياة، بل ويكفي حاجته وحاجة الآخرين من أمثاله.
تحول فقراء العالم العربي إلى أغنياء
وفي سنوات معدودة لا تعد على أصابع اليد الواحدة -إن شاء الله تعالى- يتحول فيها كل الفقراء في العالم العربي والإسلامي، إلى مالكي مشاريع صغيرة ومتوسطة وكبيرة، والذين بدورهم يحولون كل إخوانهم في الإنسانية وحول الكرة الأرضية، إلى أغنياء ومالكي مشاريع، لتحل كل مشاكل الفقر والمعاناة والألم على مستوى الكرة الأرضية.
ويتضح من خلال هذا المشروع ونتيجته المرجوه، حب الإسلام للبشرية وخدمته لمصالح الناس جميع الناس على مستوى الكرة الأرضية، دون النظر إلى العقيدة أو العرق أو اللون أو الجنس أو الوطن، والتي تتشابك فيه المصالح بين المسلم وغير المسلم، ويسود فيه الحب والتسامح والسلام بين بني البشر، من أجل إنقاذ البشرية ووضعها على جادة الطريق، فكلكم لآدم وآدم من تراب كما قال سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة القول فإنَّ مشروع الفسيلة هو مشروع التحدي ضد الفقر، وتعتمد فلسفته واستراتيجيته، بالدرجة الأولى على تحويل العامل الفقير في المشروع إلى مالك له، يُحافظ عليه وينميه ويبذل فيه قصار جهده وعرقه ووقته وعمره وماله، فيزداد دخله وتتسع رقعة مشروعه، فيتمدد هذا المشروع الذي يبدو عملًا بسيطًا في الآفاق، فيتعملق ويصل إلى العالمية، بدءً من المستوى المحلي إلى امتداده العربي والإسلامي والعالمي وعلى امتداد الكرة الأرضية.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
2 تعليقات