(75) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
البداية كانت مع خلق الكون من نقطة الصفر، والتي بدأت بذرة أولية، كانت ذرة الهيدروجين، ثم تمدد الكون واتسع بمساحته البالغة 300 ألف سنة ضوئية وعمرها البالغ حوالي خمسة عشر مليار سنة، ثم يعود الكون مرة أخرى إلى نقطة الصفر التي بدأ بها.
فبعد كمال الكون ونضوجه واستقراره على الحال الموجود عليها الآن، فيصل إلى قمة شبابه، يدخل بعدها في مرحلة الكهولة والشيخوخة ثم يطاله الانهيار، بعد مروره بمختلف المراحل والأطوار، التي يمر بها الإنسان على مدار حياته من عالم الذر قبل خلق آدم، إلى عالم التراب الذي خلق فيه آدم، إلى عالم الرحم للبشر جميعًا، ومنه إلى الدنيا بطولها وعرضها، ثم تنتهي نهايته بالفناء والذهاب إلى الآخرة.
فالكون له ميلاد، ثم يمر بمرحلة الجنين وتكوين الخلية الأولية، والتي منها تشكل الكون بكل ما فيه من كواكب ونجوم ومجرات، ثم يمر بمرحلة الطفولة والصبية والفتوة والبلوغ والشباب، ثم مرحلة الكهولة والشيخوخة، بعدها يحدث الانهيار ويعود الكون إلى نقطة الصفر كما بدأ.
قال تعالى: “يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ” (الأنبياء: 104).
الكون بدأ بذرة الهيدروجين
فبداية الكون كانت من نقطة الصفر، والتي بدأت بذرة من الهيدروجين من جزيء الماء تحت عرش الرحمن، والنهاية يعود فيها الكون مرة أخرى إلى نقطة الصفر بعد انهياره واختفائه من الوجود، ومعه الإنسان وسائر المخلوقات.
وبين الصفرين، في البداية والنهاية للكون والإنسان، يعيش الإنسان في حيرة من أمره، وتستمر هذه الحيرة بعد انتهاء الكون المؤقت واختفاء الإنسان المؤقت، بزمان ومكان لا يعلمه إلا خالق الزمان والمكان، الله سبحانه وتعالى.
ومع انهيار الكون واختفاء الإنسان، بعد النفخة الأولى ينتهي بوجودهما حياة الكون المؤقت، وحياة الإنسان المؤقت، ينشأ كون جديد أصلي ودائم بنور الله، وبمواصفات جديدة تتفق مع وجود الله بنوره في الآخرة، وتختلف بشكل كلي وجزئي عن الكون القديم المؤقت، الذي يعيش فيه الإنسان بأسباب الله.
قال تعالى: “يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ” (إبراهيم: 48).
ومن هنا كان من الأهمية بمكان، فهم مقتضيات الأمور، على حال الكون الجديد في الآخرة، والتي يحل فيها كون جديد بأرضه وسمائه يختلف عن الكون القديم في الشكل والموضوع، وفي الأصل والجوهر، لأن المسيطر على الكون الجديد هو نور الله بعد ذهاب نور الشمس والقمر، بعد اختفاء الكون القديم.
هذا الاستبدال القدري والحتمي للكون بسمائه وأرضه في بداية أحداث الآخرة، يؤكد أن الذي يستطيع أن يعيش في كون الآخرة وجنة الرحمن، هو الذي يأخذ معه نور من الدنيا، كي تكون له نورًا ونبراسًا في الآخرة، فيتمكن أن يعيش مع نور الله، غير ذلك لا مكان له في الآخرة، إذا لم يتمكن من زيادة درجة نوره في الدنيا.
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (التحريم: 8).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يحدث مرة واحدة في حياة البشر، حيث يستبدل رب البشر الكون وما فيه في الحياة الدنيا والذي يعيش فيه البشر بأسباب الله، بكون الآخرة الذي يعيش فيه البشر مع الله في جنته، وفرق شاسع وعظيم في أن تعيش بأسباب الله في الدنيا وتعيش مع خالق الأسباب في الآخرة، الله خالق الكون وخالق الإنسان وكلاهما وجد من أجل استمرار الحياة إلى حين.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد