(69) الإسلام… في ميلاد الرسول
في الرحم الكبير، يتطور فيه نمو الإنسان بعد خروجه من الرحم الصغير، فيتمدد في عمره الزماني ومحتواه المكاني، وما يحدث له في سائر أحواله، فيعيش في الكون الذي يمثل الرحم الكبير مع كل المخلوقات الذي جهز له، بكل أسباب استبقاء حياته مع الآخرىن، في الأرض، وفيه يتم استيعاب البشر جميعًا، فتصبح الأرض الرحم الكبير، الذي يستوعب البشر جميعًا في الدنيا، فيعيش ويحيا مع الآخرين.
ومع مرور الإنسان بكل المراحل المختلفة، لحياته من الطفولة وحتى الشيخوخة، تمتد علاقاته مع كل أرحامه ومع كل جيرانه، والتي فيها ينسج الإنسان حياته، بناء على مكتسباته داخل الرحم وبناء على وجوده خارجه.
وبين الرحمين، الصغير في رحم أمه، والكبير في رحم الكون، يعيش الإنسان فيهما برحمة الله سبحانه وتعالى الذي منَّ عليه بالبقاء في الحياة، حتى يفهم معنى الحياة وبقاءه فيها بنعم ربه، حتى ولو كانت لحظات، مدركًا لأهمية الاستفادة القصوى من الحياة، حتى تكون له ذخرًا في الآخرة وساعة الحساب، التي تغيب عنه في الدنيا بمتعها الفانية، وسعادتها المؤقتة.
رحلة الإنسان في الحياة
وفي الحياة الدنيا يقطع الإنسان، رحلة حياته الأولى الحافلة بالسعادة والهناء أو المليئة بالتعاسة والشقاء، فيدور معها دورتها حيث تدور من النقيض إلى النقيض، حتى الفناء والفراق، وترك الحياة الدنيا المؤقته إلى الحياة الآخرة الدائمة .
وفي الحياتين يعيش الإنسان بقدر الله سبحانه وتعالى وقدرته بين الأمل والرجاء، وفي الرحمين اللذين جهزا له برحمة ربه، وحفظه له وعنايته الفائقة به، فيقتبس من رحمه الصغير وهو في بطن أمه روحه وجسده الصغير، دون معرفة حقيقية بطبيعة الحياة داخله، ولا بطريقة التكوين لكل خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته ولكنه مغيب في الجسد المادي بكل مكوناته وتفاصيله ومقاساته، ومغيب في الروح ودون إدراك لأهمية وجودها في جسده بالرغم من أنها تمثل له ميزان الحياة.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فبرنامج البعث والفناء، يدير حياة الإنسان بين الرحمين الصغير والكبير بهمة واقتدار، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد