(5) الإنسان… بين الدنيا والآخرة
قضية الفراغ داخل الذرة، هو أمر هائل وعظيم، يجب على الإنسان العاقل النظر إليه بعين الاعتبار، ويجب أن يأخذه على محمل الجد.
فالفراغ الموجود في الذرة بهذا الشكل المهول إعجاز هائل ما بعده إعجاز، فمحور الكون كله وما فيه من مخلوقات، دائر على فراغ هذه الذرة وما فيها من جسيمات أولية على مستوى مثقال الذرة.
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا” (النساء: 40).
فإذا كانت الذرة هي الأساس والبناء الذي بني عليه الكون في الكواكب والنجوم والمجرات، والتي يُمثل الفراغ فيها 99.99%، فما الذي يحافظ علي تماسك الكون وكواكبه ومجراته ويحميه من الكسر ويمنعه من الانهيار.
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” (فاطر: 41).
فالسماء ممسكوكة ومتماسكة بقوة الله وممنوعة من السقوط على الأرض بالرغم من أنها معلقة فوقها، وبالرغم من الفراغ الموجود في بنيانها والذي يصل إلى 99.99%.
قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ” (الحج: 65).
وإذا كانت الخلية الواحدة في الإنسان بها مائة تريليون ذرة، كل ذرة بها هذا الفراغ الهائل 99.99%، فما الذي يحافظ على تماسك الإنسان في خلاياه وأنسجته وأعضاءه بالرغم من الفراغ المادي الهائل في ذراته، فما بالنا بالفراغ النوراني الهائل في ذرات روحه، التي لا نراها والتي تدير الكون والإنسان.
وبعيدًا عن الذرة في الكون التي بني عليها الكون والإنسان، فإن الطاقة المظلمة والمادة المظلمة المجهولة وغير المعروفه، والتي ليس لها علاقة بالذرة في الكون، تملأ جنبات الكون عن آخره، وتُمثل 99.99% من حجم الكون، وهي تمثل فراغ في فراغ آخرهائل في الكون، مجهول السبب ومجهول التركيب.
فالفراغ الهائل المركب في الكون، موجود في داخل الذرة الواحدة المادية المكونة للكون، يمثل 99.99%، والفراغ الهائل في روح الذرة يُمثل 99.99% من بنيان الكون، والفراغ الهائل في روح الكون والذي يمثل 99.99% من حجم الكون، بالإضافة إلى الفراغ الهائل في الطاقة المظلمة والمادة المظلمة في الكون، والتي تمثل 99.99% من حجم الكون.
ومن هنا كانت الإشارات المعجزة في الآيات القرآنية، عن الفراغ الهائل الموجود في الكون على مستوى الجسيمات الأولية وما هو أصغر منها وعلى مستوي الذرات.
قال تعالى: “وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ” (يونس: 61).
وفي هذه الآية الكريمة، إشارة علمية دقيقة عن مكونات الكون وما فيه من ذرات في الأرض وفي السماء، كما أن هناك إشارة علمية إلى الجسيمات الأولية داخل الذرة الواحدة والتي تتعدى أكثر من 108 جسيم أولي في الحد الأدنى.
قال تعالى: “وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ”، كما أن هناك إشارة علمية إلى الطاقة المظلمة والمادة المظلمة المجهولة في الكون، وما تحت الذرة والجسيمات الأولية داخلها.
قال تعالى: “وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ”.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالكون يعيش في فراغ هائل ومركب، بين الذرة المادية والذرة النورانية وروح الكون والمادة المظلمة والطاقة المظلمة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر