(3) الفراعنة… في القرآن الكريم
لم يتعظ أحد من البشر في القرن الحادي والعشرين من حال الفراعنة وما وصلوا إليه بعد أن غرتهم الدنيا بمتاعها القليل ومظاهرها الخادعة البراقة والزائلة.
ولم يفكر أحد في المصير المشؤوم الذي أصابهم باللعنة، بعد ما أصيبوا بداء الاستكبار والعلو والخيرية في الأرض، وهي أمراض قاتلة أصيب بها الشيطان من قبل، فكان مصيره الطرد من رحمة الله.
قَال تعالى: “يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” (ص: 75- 76).
حال الفراعنة
فكان هناك توأمة بين فكر الفراعنة وفكر الشيطان، والذي كان سببًا في هلاكهم ودمارهم وطردهم من رحمة ربهم، وكان التشخيص واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض في سورة القصص.
قال تعالى: “وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إلينَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي إلىمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ” (القصص: 38- 42).
ولم يكتفوا بفكر الشيطان الذي سيطر عليهم بل تعلم منهم الشيطان، بعد أن بالغوا في الطغيان والفساد إلى الحد الذي ادعى فيه فرعون مصر الألوهية، بل وتمادى في غيه إلى أن قال “أنا ربكم الأعلى” ولم يقلها الشيطان فنكل الله به وقومه في الدنيا والآخرة، لعل الناس أن تعتبر وتتعظ.
قال تعالى: “فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى” (النازعات: 24- 26).
نهاية فرعون وجنوده
فكانت النهاية الحتمية لفرعون وجنوده وغرقهم في البحر، بواسطة عصى جافة من جزع شجرة، في يد موسى عليه السلام، فقضت على حضارة عمرها ثلاثة آلاف سنة، مما أورثهم الذل والمهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة، بالرغم من بقائهم في السلطة أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ثم انهارت حضارتهم وتركوا مصر بلد محتل لمدة ثلاثة آلاف سنة أخرى، وأصبحوا عبرة لمن يعتبر على مر الزمان إلى قيام الساعة، فكان هذا تشخيص الله لحالهم.
قال تعالى: “وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ” (الفجر: 10- 14).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالتوأمة بين فكر الفراعنة وفكر الشيطان، كانت سببًا في اللعنة التي طالت الفراعنة وحكمهم، بل وتحولوا من طالبي علم من الشيطان إلى معلمين له، عندما تجرأ فرعون مصر وادعى الألوهية ولم يتجرأ عليها الشيطان.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر