(21) الإنسان… بين الدنيا والآخرة
من هذا المنطق وذلك المنطلق، نلاحظ أن هناك علاقة وطيدة بين الدنيا والآخرة ووحدة هذه العلاقة في الكون والإنسان، والذي يتحكم في وجودهما الحياة والموت، تؤكد أن وحدة الخلق في الكون والإنسان، دليل قاطع على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى.
قال تعالى: “أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإلىهِ يُرْجَعُونَ” (آل عمران: 83).
فإذا كان من الممكن حدوث زيارات حقيقية ومتبادلة، بين الناس في الحياة الدنيا، في اليقظة والمنام والأحلام قوامها الحياة التي يتم التواصل بينهم من خلالها، باعتبار أن الموت جزء من الحياة وزيارات متبادلة، بين الناس في الحياة الدنيا والحياة الآخرة في القبر، باعتبار أن الحياة والموت عامل مشترك بين الدنيا والآخرة.
فإنه من الممكن، أن تكون هناك زيارات حقيقية متبادلة بين الموتى مع بعضهم البعض الآخر وهم في قبورهم باعتبار أن الحياة الصغرى جزء من الموتة الكبرى، ويتفقد الجميع أحوال الجميع بالخير أو الشر، طرفيها في ذلك الحياة المتصلة بالموت والموت المتصل بالحياة.
علاقة وطيدة بين الدنيا والآخرة
فالزيارات خاطفة ومتبادلة بين الناس في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، كما يحدث في الأحلام، ويكون العنصر الفاعل في التواصل بينهما، عنصر الحياة في الدنيا وعنصر الحياة في الآخرة والتي تمثل عنصري تواصل واتصال بين الدنيا والآخرة.
وبناء عليه، يمكن عرض الجنة على الأخيار وعرضهم على الجنة ودخولها في قبورهم يتمتعون فيها بالجزء الحي من موتهم في أجسادهم وأرواحهم.
قال تعالى: “فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ” (الواقعة: 83- 89).
كما يمكن عرض العصاة على النار في قبورهم، ودخولها بالجزء الحي منهم في أجسادهم وأرواحهم، وكل هذه الأحداث التي يتعرض لها الإنسان في قبره قبل القيامة وأحداث الآخرة، كما يحدث لآل فرعون في قبورهم.
قال تعالى: “النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ” (غافر: 46).
ففي الدنيا منذ الخروج الأول للإنسان من الرحم، يصون الموت الحياة ويحافظ عليها، وفي الخروج الثاني إلى الآخرة تصون الحياة الموت وتحافظ عليه.
وهذا معناه أنه منذ دخول الإنسان القبر تصون الحياة الموت ويصون الموت الحياة، قبل أحداث يوم القيامة المتعلقة، بالنفخ والصعق والبعث.
ومن هنا نلاحظ أن الحياة والموت، ضدان في الظاهر، ولكنهما متكاملان في الباطن، يحافظ بعضهما على البعض الآخر، ويحفظ بعضهما البعض الآخر، فلا يطغى أحدهما على الآخر في الدنيا والآخرة.
ولولا وجودهما ما وجدت الدنيا ولا وجدت الآخرة، فكيف يجتمع الضدان في الحياتين، إلا إذا كان خلفهما قوة الله وعظمته.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالدنيا فيها الحياة في الموت، والآخرة فيها الموت في الحياة، فلا دنيا بلا موت ولا آخرة بلا حياة، وكما يوجد تواصل واتصال في الدنيا، فهناك تواصل واتصال في الآخرة، باعتبار أن الدنيا والآخرة صنوان لا يفترقان.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر