(7) الكلمة الفصل… في جمع القرآن الكريم
لم يكن نزول القرآن الكريم، حدثًا عابرًا على مستوى الكون وما فيه من مخلوقات، لأن وجود الكون وحياته مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بوجود الإسلام، والذي من أجله نزل القرآن الكريم.
فكان الإسلام يمثل روح الكون المعنوي في صيغته النورانية، ويمثل مكونه المادي في إطاره العلمي، الذي بني عليه وجود الكون وحياته.
فكان البناء النوراني للكون سابقًا، على وجوده المادي وما فيه من مخلوقات، فلا يمكن فصل المقدمات عن النتائج في خلق الكون المعنوي النوراني بمعيار العاطفة، عن المكون المادي للكون بمعيار العقل، فكيف بعاطفة الكون وماديته عند نزول القرآن الكريم، والذي كان ينتظره بفارغ الصبر، حتى يضمن وجوده وبقاءه واستمراره، فكانت حاجة الكون للإسلام مثل حاجة الجسد للروح الذي تبعث فيه الحياة.
سعادة تجاه نزول القرآن
فكيف يمكن تخيل أو تصور، مدى الفرحة الغامرة والسعادة البالغة، التي حظي بها الكون، وشعرت به مكوناته على مستوى ذراته، عند نزول القرآن الكريم، والتي ليس لها شبيه ولا نظير، على مستوى المخلوقات، وفيها يعبر فيها، كل مخلوق عن ما يجول في نفسه وخاطره وذاته بإعجاب، تجاه نزول القرآن الكريم، والتي ملأت أركان الكون، بالنور والضياء، وانتشرت في جنباته، وملأت أرجاءه، وتمددت في أنحائه، واختلطت مع روحه وهوائه ومائه وغذائه.
فلفَّت الكون وملئته عن آخره بالأمن والأمان والسلامة والسلام، في ذاته، وحظيت مخلوقاته بالرضا والطمأنينة في مكوناتها، بشكل عام ومخلوقات الملأ الأعلى بشكل خاص، وكان للعواطف الجياشة نصيب في كل الذي حدث، والأثر الطيب في كل الذي نزل، المصحوبة بالرضا الكامل والتام والشامل، جراء نزول القرآن الكريم، بعد أن اكتنف نزوله الغموض، على مدار خمسة عشر مليار سنة، من عمر الكون، الذي كان ينتظر نزوله بفارغ الصبر، مثل انتظار الجسد للروح الذي تبعث فيه الحياة.
وليس بعيدًا عن أخلاق الإنسان الحسنة، في الانضباط النفسي بشكل نسبي، عن الانضباط الكلي في الكون بمعناه الواسع والشامل، والذي يلعب الدور المحوري، في وجود الكون وبقائه وإستمراره، وكما تلعب الأخلاق الحسنة في تحقيق السعادة الحقيقية للإنسان، في إطار من الانضباط المتوازن، فإن انضباط الكون يحقق له هذه السعادة، خاصة إذا كانت هناك موازين للعدل والعدالة في حياته، بعيدًا عن الشهوة المتحكمة في البشر وسائر المخلوقات الأخرى.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر