(39) الكلمة الفصل… في جمع القرآن الكريم
كتابة القرآن الكريم وقراءته باللغة العربية، فيهما إشارة للتأكيد، على أن القرآن الكريم، كتابًا وقرآنًا عربيًّا، واضح الألفاظ، سهل المعاني، فيه من جوامع الكلم ما لا عد له ولا حصر، ولا عوج فيه ولا غموض ولا انحراف، يدعو إلى الصراط المستقيم، ويهدي إلى الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى، ووحدة رسالة الأنبياء والمرسلين، ووحدة الكون والإنسان، والاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى، والتي تؤدي إلى تقوى الله سبحانه وتعالى وذكر نعمه والخوف من عقابه.
ذكر فيه كل شيء، سمح فيه بذكره، عن الخالق سبحانه وتعالى، ومفصل فيه كل شيء، عن رسالة الخلق في الحياة، قبل نزوله من الملأ الأعلى، كتابًا وقرآنًا عربيًّا، ليمارس مهامه على الأرض، يأخذ بأسباب العلم، ويدعو إلى طلب المعرفة، ويحفز الإنسان على الفهم والفكر والتدبر والتذكر والاستنباط، والأخذ بكل أدوات العلم والمعرفة، في كل حرف وفي كل كلمة وفي كل آية من آياته، وفي كل سورة من سوره، حتى القاصي والداني بشكل عام، ويعلم العرب بشكل خاص، حقيقة ما أصابهم الله به ومنحهم إياه، من خير في الدنيا والآخرة، كي يدعو أنفسهم إليه، ويدعو إليه الآخرين.
ولو جعله الله سبحانه وتعالى، قرآنًا أعجميًّا لا يفهمه العرب، لقال مشركو العرب في مكة، بيّن لنا آياته، حتى نفهمها ونؤمن بها، ولكنهم بالغوا في حد الإسراف وفي اللغو والمماطلة والتسويف والحجج، وإشاعة الباطل، وادعوا أنه اختلط عليهم أمر القرآن، فلا يعرفون، إذا كان أعجميًّا أم عربيًّا، مع أن اللسان الذي أنزل به عربي، وهذا كان من قبيل المجادلة والمحاججة واللغط، من كفار مكة، الذي ليس له إلا معنى واحد، وهو الهروب والفرار، أمام بلاغة القرآن الكريم، ولغته العربية، وعذوبة ألفاظه التي يتمتع بها، وفي جزالة معانيه، وحلاوة كلامة، وسمو أحرفه وكلماته وقوة تركيبها، وعلوه واستعلائه على كلام البشر، وأخذه بمجامع العقول وإحاطته بذات القلوب، والتي كانت تلاحقهم، في شوارع مكة وشعابها، مع أنهم فصحاء العرب وبلغاؤها.
القرآن الكريم باللغة العربية
وكان القرآن الكريم بلغته العربية، كتابًا وقرآنًا عربيًّا، يطاردهم في كل مكان يذهبون إليه، في الكعبة المشرفة وصحنها، وفي جبال ووديان وشوارع مكة المكرمة، لأنهم يعلمون أنه قرآن عربي، مكتوب بلغة العرب الفصحي، التي يقيمون لها الأسواق والمهرجانات في كل مكان.
فكان القرآن الكريم، بلغته العربية، هو الذي أثار سادة قريش وبلغاءها، مثل الوليد بن المغيرةا لذي تحدث، عن عظمة القرآن الكريم، لأبي جهل، فقال- فوالله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن مني، والله، ما يشبه الذي يقول – يقصد محمد صلى الله عليه وسلم – شيئًا من هذا – يقصد القرآن الكريم -والله، إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته -.
فكان الرد من الله سبحانه وتعالى، لرسوله، بأن يقول لإهل مكة، إن هذا القرآن للذين آمنوا بالله ورسوله، هدى من الإنحراف والضلال، وشفاء لما في القلوب والصدور، من العلل والأمراض المادية والمعنوية، والذين لا يؤمنون بالقرآن، عطلوا عندهم وسائل الأدراك، وأوقفوا عندهم، آلات السمع والبصر، وكل أجهزتهم، فطبع الله على قلوبهم، حتى وإن كانوا يملكونها، بإنكارهم لهداية القرآن الكريم، فلا يهتدون بهديه، أولئك هم مشركو مكة ومن علي شاكلته علي مدار الزمن والي قيام الساعة، كمن ينادي من مكان بعيد فلا يسمع داعيًا، ولا يجيب مناديًا، قال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) البقرة 171.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر