(114) الكلمة الفصل… في جمع القرآن الكريم
من هنا كان الفرق الجوهري بين القرآن الكريم بصفته كلام الله سبحانه وتعالى، والكون والإنسان وما فيه من مخلوقات بصفته مخلوقات لله سبحانه وتعالى.
هذه المقاربة بين كلام الله وخلق الله، تعطي ملحم عميق في عملية جمع القرآن الكريم وتؤكد أن دور جبريل ومحمد عليهما السلام في جمع القرآن الكريم، كان دورًا محدودًا إلى درجة العدم، وهو من قبيل إثبات الحضور، لكن الواضح أن الدور كله في جمع القرآن الكريم، كان لله سبحانه وتعالى.
فهذا واضح وجلي في خلق وجمع الملائكة والجن وفي خلق وجمع الإنسان خارج الرحم، مثل آدم وحواء وفي خلق وجمع البشر جميعًا داخل الرحم إلى قيام الساعة.
العلاقة بين جمع القرآن وخلق وجمع الإنسان
لكن ما هي العلاقة المحورية والمفصلية بين جمع القرآن الكريم كلام الله وخلق وجمع الإنسان داخل الرحم مع أن هذا كلام وهذا مخلوق، إنها علاقة وطيدة، فالذي خلق وجمع الانسان داخل الرحم من خلية واحدة مخلوقة لله، من خلال التقاء حيوان منوي مع بويضة، ثم جمعه داخل الرحم، دون وجود واسطة في جمعه فكان إنسان، هو الله سبحانه وتعالى.
واذا كان ذلك كذلك، فالله سبحانه وتعالى، جمع القرآن الكريم دون ملائكة، مثل جبريل عليه السلام أو وجود بشر مثل محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار عملية جمع القرآن الكريم عملية إلهية قدرية لا دور فيها لمخلوق مجموع، وإنما الدور كله لله سبحانه وتعالى.
فالذي خلق وجمع الكون فكان كون هو الله سبحانه وتعالى، والذي خلق وجمع الملائكة، من نور فكانت ملائكة هو الله سبحانه وتعالى، والذي خلق وجمع الجن من نيرانية النور، فكان جن هو الله سبحانه وتعالى، والذي خلق وجمع الإنسان من ترابية النور فكان إنسان، هو الله سبحانه وتعالى، والذي خلق وجمع الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات والجمادات هو الله سبحانه وتعالى، والذي خلق وجمع الميكروبات والفيروسات والفطريات والطفيليات من ترابية النور هو الله سبحانه وتعالى.
والذي خلق وجمع الكون وخلق وجمع الملائكة والجن والإنس وخلق وجمع الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات والجمادات وخلق وجمع الميكروبات والفيروسات والفطريات والطفيليات من الماء هو الله سبحانه وتعالى، فيكون من الطبيعي والمنطقي أن يجمع الله سبحانه وتعالى كلامه كما جمع مخلوقاته.
فالقرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى، أنزله الله وكتبه وقرأه وأنزله مفرقًا إلى الأرض وجمعه الله بعد نزوله الأرض، أمَّا جبريل عليه السلام، فهو مخلوق خلقه الله من نور، ومجموع جمعه الله من نور في صورة ملك نوراني.. فهل يستطيع جبريل عليه السلام، المخلوق والمجموع من نور، من جمع كلام الله الخالق سبحانه وتعالى؟ بالطبع لا.
جبريل لا يستطيع جمع القرآن
وإذا كان جبريل عليه السلام مخلوق نوراني، لا يستطيع جمع كلام الله الخالق، بالرغم من اطلاعه عليه في بيت العزة في السماء الدنيا، فهل يستطيع محمد صلى الله عليه وسلم، المخلوق البشري الذي خلقه الله وجمعه في مراحل حياته المختلفة، والذي تلقى القرآن الكريم من جبريل عليه السلام ولم يطلع عليه، من جمع القرآن الكريم، بالطبع لا.
ففي نزول القرآن الكريم وجمعه، نورانية الله سبحانه وتعالى ونورانية الكتاب والقرآن في المرحلة الأولى ونورانية الكتاب والقرآن واللغة العربية في المرحلة الثانية ونورانية الكتاب والقرآن واللغة العربية في نورانية اللوح المحفوظ في المرحلة الثالثة ونورانية الكتاب والقرآن واللغة العربية في نورانية بيت العزة في المرحلة الرابعة، ونورانية الكتاب والقرآن واللغة العربية ونورانية بيت العزة ونورانية جبريل عليه السلام في المرحلة الخامسة، ونورانية الكتاب والقرآن واللغة العربية ونورانية جبريل عليه السلام ونورانية محمد صلى الله عليه وسلم في المرحلة السادسة ثم نورانية الصحابة في المرحلة السابعة.
كما أن القرآن الكريم كلام الله، فيه نورانية الحرف ونورانية الكلمة ونورانية الآية ونورانية السورة، وهذا معناه أن عملية النزول والحفظ والجمع، عملية كلها نورانية لا نهاية لها، مثل نورانية الروح في الملأ الأعلى، ومثل نورانية روح الإنسان في الأرض.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد