(18) نهر النيل في… الإسلام
كان موقف نهر النيل واضح وصريح ومعلن وموقفه بيِّن وجلي في هلاك الفرعون وقومه، بعد أن كان له الدور المحوري في إسعاد ورفاهية الفراعنة ورقيهم، بعد أن وفر لهم ماءه، كل سبل العيش الكريم، وكل أسباب الغنى والراحة والهناء والسرور الذين عاشوا فيه، بعد أن ملك نهر النيل أبعاد مصر السبعة.
هذه الأبعاد السبعة التي ملكها نهر النيل، هي القادرة على بقاء مصر قوية شامخة، تحافظ على وجودها وتحمي قوتها وتحافظ على مكانتها المادية والمعنوية، لأنها تربط الكرة الأرضية بمساحتها البالغة 512 مليون كم2، في اليابسة البالغ مساحتها 149 مليون كم2، بالمساحة المائية البالغة 361 مليون كم 2.
فيربط نهر النيل، اليابسة في إفريقيا وآسيا، باعتبار مصر دولة عابرة للقارات، ويربطها بأوربا بالبحر الأبيض المتوسط، ويربطها بالأمريكتين عبر البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق بالمحيط الأطلنطي، ويربطها بأستراليا عبر البحر الأحمر وبين العالمين وفي الماء من خلال اتصال نهر النيل بأنهار وبحار ومحيطات الكرة الأرضية.
وعدم استغلال هذه الأبعاد السبعة، يجعل من مصر خرابة كبيرة ينعق فيه البوم والغربان، في غياب الحكم الرشيد، من أصحاب الفشل الذريع في كل مجال، الذي يعين الفاشل ويقصي الناجح، فيصبح عنده فاشلين بدلًا من أن يكون عنده ناجحين، بعد تحويل الناجح إلى فاشل، بفعل قوى الضلال والبهتان.
موقف نهر النيل
لم يحمِ نهر النيل ظهر الطغاة والمستبدين في تاريخه في الماضي البعيد أو القريب، ولن يحميهم في الحاضر أو المستقبل، فقد شاطرهم حياتهم الرغدة بهدوئه المعهود، وحاصر الذين طغوا وتجبروا وعاشوا على ضفافه آلاف السنين، من الفراعنة بالرغم من ذكائهم الخارق وعلمهم المشهود، لأنه نهر مأمور وطائع لأمر ربه ومنفذ لأوامره في نطاق التسيير، ولن يحمي نهر النيل الفاشلين الفاسدين والغشاشين والمرتشين والمزورين.
وسيفضح نهر النيل كل طاغية أثيم ولئيم، كما فضح الفرعون وقومه، للأنه يراقب الجميع بأمر ربه في كل قطرة ماء، تسقط من السماء على منابعه، تحمل في طياتها الثواب الجزيل، لكل من استخدمها في العمل والإنتاج، وتحمل له العقاب الأليم إذا فرط في استخدامها.
وفي كلا الحالتين، فماءه يذهب في سريانه إلى الخلايا والأنسجة والأعضاء والأجهزة والشرايين، المراقبة له في خلايا ذاكرته والشاهدة عليه في الدنيا والآخرة، فتسجل عليه كل همساته ولمساته وكل خطواته في الظاهر والباطن، وفي خلايا الذاكرة المنتشرة في قلبه وعقله وفؤاده وجلده وجسمه وروحه وأطرافه، بالصوت والصورة والفيديو، وسيفضح الجميع كما فضح الفرعون في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عليها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر: 46.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد