(52) نهر النيل في… الإسلام
كانت هاجر عليها السلام، نموذج رائع وفريد للمرأة المصرية في غربتها عن أهلها وفي بعدها عن زوجها، وفي تركها بلدها، كي ترعى وليدها وتصون عرض زوجها وتحمي شرفها، وتدافع عن وليدها بكل ما تملك من سعيها وحتى حياتها، لكن كل ذلك نابع من الإيمان بالله الذي تأكدت أنه لن يضيعها هي ورضيعها، بعد أن تركها زوجها في صحراء قاحلة، جرداء لا زرع فيها ولا ماء.
عاشت هاجر عليها السلام في ضروب مكة المكرمة مهاجرة، وتمشي في شوارعها وضواحيها مهاجرة، وتحملت كل الصعاب في حياتها مهاجرة، من أجل تربية ابنها إسماعيل عليه السلام والحفاظ عليه وبناء الكعبة المشرفة، وكل ما يتعلق بالحج وشعائره ومناسكه وأركانه في أنحاء مكة المكرمة.
هاجر عليها السلام وإشاعة الهجرة في الكون
كانت هجرتها عليها السلام، ليس على مستوى جسدها وروحها، وإنما كانت أيضًا على مستوى ذراتها وجسيماتها الأولية داخل خلاياها وأنسجتها وأعضائها وأجهزتها المادية منها والنورانية، وهي التي أشاعت الهجرة في الكون كله على مستوى الكواكب والنجوم والمجرات والغازات، وعلى مستوى الطاقة المظلمة والمادة المظلمة التي تملأ الكون عن آخره.
كما أشاعت الهجرة على مستوى الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات والجمادات، والكائنات الدقيقة على مستوى الميكروبات والفيروسات والطفيليات والفطريات، هذه الهجرة الكلية على مستوى الكون وما فيه من مخلوقات، يؤكد منزلة مصر ومكانتها عند الله سبحانه وتعالى بشكل عام، ومكانة ومنزلة هاجر عليها السلام بشكل خاص.
هذه الهجرة، كان لها دور بارز وكبير وأثر عظيم في حياة الكون وما فيه من مخلوقات، ولولا هذه الموجات المتواصلة والمتلاحقة من الهجرة في الكون، ما تجدَّد شباب الكون وما فيه من مخلوقات، ولأدى ذلك بالتبعية إلى انهيار الكون وانقراض المخلوقات في لحظات من عمر الزمان.
فهجرة كل المخلوقات عبر الزمان والمكان وعلى مستوى الجسيمات الأولية في الذرة الواحدة في الذرات داخل الخلية أو التي تشكل الجزيء الواحد في داخل الجزيئات الأولية، في داخل المادة بتركبيتها الكيميائية ومكونها العضوي في النجوم والكواكب والمجرات، لها الدور الحاسم والفعال في استمرار الحياة.
هجرة الناس والبشر
كما أن هجرة الناس والبشر بشكل دوري وروتيني حول العالم، وفي العالم من أقصى البلاد إلى أقصاها بشكل عام، وحول الكرة الأرضية إلى مكة المكرمة بشكل خاص، كان تحقيق لدعوة إبراهيم عليه السلام، وتأكيد لاسم هاجر عليها السلام المشتق من الهجرة.
بل كان لها دورها القيادي والبناء في بناء الكعبة المشرفة، فهوت الأفئدة البشرية إليها من بقاع الأرض، وهوت الأفئدة الملائكية من الملأ الأعلى.
قال تعالى: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إليهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم: 37.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر