(58) نهر النيل في… الإسلام
إذا كان نهر النيل كلمة، فإن خروج الحرف والكلمة على طرف اللسان وفي الوجه والذات والجنان والروح، يحمل كل هذه الطاقة الضخمة والهائلة، التي تدير الأرض فتخصبها، وتدور الماء في السماء فتسقطه وتحافظ على تماسك الكون وتمدده إلى حين.
وكل هذا يحدث في دائرة علمية إلهية مغلقة في وجه البشر وأسرار مبهمة، غير مسموح لأحد بمعرفتها أو الاطلاع على أسرارها، فتؤكد عظمة ومكانة الكلمة في حياة الناس، والتي لولاها ما وجد البشر، فهي تمثل أحد أهم الأعمدة السبعة التي بني عليها الكون بما فيه من مخلوقات.
الأعمدة السبعة
والكلمة فيها الأعمدة السبعة التي بني عليها الكون، ولولاها لانهار الكون في لحظات، فهي اسم وهي كلمة وفيها معنى الخلافة، وفيها معنى البعث والفناء وفيها معنى الإسراء والمعراج، ولولا وجود هذه الأعمدة السبعة ما وجد الكون، وما حافظ على وجوده من الفناء.
والكلمة أطول عمرًا من صاحبها الذي يترك الحياة بالموت، بعد أن تركت بصمات كلماته في داخل نفسه وفي كل من حوله من سمعه والقارئ والمتلقي، ثم تترك آثارها في الهواء وتدور حول الكرة الأرضية والسماء وأرجاء الفضاء، فتخزن في ملفات.
تحول الحرف والكلمة إلى طاقة
ثم تذهب الكلمة إلى طاقة بأحرفها المادية وطاقتها النورانية إلى الأرض فتخصب التربة، وتذهب أحرفها إلى السماء فتنزل ماء يسقي التربة فتخرج الأشجار واحدة بعد الأخرى بالمليارات إلى قيام الساعة بالرغم من ترك صاحبها للحياة.
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) إبراهيم: 24- 25.
فالكلمة لها مسارات مختلفة في الدنيا بعد تركها صاحبها، وبعد ترك صاحبها لها في حياته وبعد مماته، فتبقى ويختفي، وتظل قائمة مهاجرة بخيرها وشرها إلى قيام الساعة، ومع الهجرة، التي تظل قائمة ودائمة ومتواصلة في الدنيا والآخرة، لا تتوقف لحظة من عمر الإنسان في الدنيا، ولا من وجوده في الآخرة، لذلك تعتبر الهجرة العمود الثامن الذي بني عليه الكون.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر