(92) نهر النيل في… الإسلام
من الواضح أن الأبعاد الثلاثة الكبرى لنهر النيل في البعد العلمي والبعد الديني والبعد الجغرافي، لها دور محوري في رسم خريطة مصر مع دول حوض وادي نهر النيل، وفي دول المنبع بشكل عام، ورسم خريطة لنهر النيل في دولة المصب مصر بشكل خاص، والتي تؤكد في فحواها أن نهر النيل هبة من الله لمصر.
كما يمثل البعد التاريخي لنهر النيل، بُعد آخر ينافس الأبعاد الثلاثة السابقة في البعد العلمي، والبعد الديني والبعد الجغرافي، فإذا كان نهر النيل بمثابة نهر إسلامي من ناحية المنشأ، فهو نهر من الجنة، كما أشار إليه نوح عليه السلام، وأكده محمد صلى الله عليه وسلم.
كما أن البناء العلمي للكون الذي بني عليه الكون، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته، يؤكد أن البناء العلمي للكون على الإسلام، وهذا يؤكد الحقيقة الدينية، في أن الكرة الأرضية، في حقيقة خلقها ووجودها، ملك للإسلام بما فيها نهر النيل.
وإذا كان نوح عليه السلام، قد أكد أن منبع نهر النيل من الجنة، فإن الفراعنة أحفاد مصرايم بن بنصر ابن حام ابن نوح عليه السلام، قد أطلقوا على نهر النيل في الكتابة المصرية القديمة -إيتروعا- وتعني النهر العظيم في الهيروغروفية، وهناك من يرى أنهم قد أطلقوا عليه اسم نيلوس والتي تعود إلى اسم ملك مصري، كان جل اهتمامه بنهر النيل.
وهناك من يعتقد أن كلمة النيل مشتقة من عبارة مصرية -نا إيترو- والتي تعني النهر ذو الفروع، كما أطلق المصريون على مجرى النهر اسم -حبت إنت إيترو-، وأطلقوا على فروع النيل في أرض مصر اسم -إيترو نوكيمت- وهي فروع الأرض السوداء.
ومن المؤرخين، من يعتقد أن أصل كلمة النيل يوناني، وسمي نيلوس، كما أَطلق عليه إيجبتوس، وهناك من يرى أن كلمة النيل من أصول فينيقية ومشتقة من الكلمة السامية، نهل ومعناها مجرى أو نه ، بينما يُجمع عدد آخر من المؤرخين على أن كلمة النيل نوبية الأصل، و تعود إلى كلمة ني، والتي ما زال يستخدمها أهل النوبة في وصف النهر والتي تعني اشرب، وعادة ما يقول النوبيون -نيلا تون نيلوس-، وهي عبارة تعني شربت من مكان الشرب.
ونهر النيل سماه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، باليم لعذوبة وصفاء ماءه وسماه بالبحر لطوله وسعته واتساعه، فهو نهر في بحر وبحر في نهر، ماؤه العذب من مائه المالح.
قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عليه فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إلىكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ) القصص: 7.
وفي إشارة إلى حفظ نهر النيل لموسى عليه السلام وتوصيله إلى قصر فرعون، قال تعالى: (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليمِّ فَلْيُلْقِهِ إلىمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عليكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) طه: 38- 39.
كما أن فرعون كان يتباهى بوجود نهر النيل في مصر وأفرعه السبعة، دليل على امتلاكه القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وعلى رأسها الزراعة الناتجة من ري نهر النيل للأراضي الزراعية.
قال تعالى: (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ إلىسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الزخرف: 51.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر