(139) نهر النيل في… الإسلام
الاستعمار لم يكن يتصور في يوم من الأيام أن يُحقق أحلامه مع أذنابه في نقل نهر النيل، من مركز للبقاء وجلب التعاون والاستثمار والاستقرار، إلى بؤرة مزمنة للخلاف والصدام قد تؤدي إلى الفناء، وبدلًا من أن يكون مصدرًا للحياة لكل الشعوب في دول حوض نهر النيل على حدٍ سواء، جعلوها تتفاوض على حياتها في نهر النيل، من أجل تحقيق أهداف أطراف أخرى خارج حوض نهر النيل، وخارج سياق الزمان والمكان.
لكن الاستيلاء على نهر النيل ومنع جريانه في أرض مصر والسودان وإثيوبيا، لم تكن نابعه من شعوب هذه الدول، إنما كانت أفكار شيطانية في مخيلة الغرباء، هدفها الوقيعة بين شعوب حوض النيل، الذي كان من المفترض أن يكون أكثر تطورًا وأكثر تقدمًا من الغرب، ولكنه استخدم القوة والفرمان فمنعها من التقدم والازدهار، وحولها إلى شعوب متخلفة وفقيرة تمد يد العون، ولا تحاسب أنظمتها كما يفعل الغرب في بلاده.
الخلاف على نهر النيل
لكن حكاية نهر النيل والخلاف عليه بين الأشقاء الثلاثة في مصر والسودان وإثيوبيا، والتي ترضع شعوبها من نهر النيل على مر الزمان، وعلى مدار حياتها في الماضي والحاضر والمستقبل، خلافات مفتعلة، ولم تكن وليدة اللحظة، كما يعتقد البعض ولكنها ثمرة مجهود طويل وشاق، لأناس يتميزون بالخداع والخبث واللؤم، ومن تم التمهيد له على أيدي أبناء وأحفاد ووكلاء هنري كامبل بترمان، ومن قبله الحكومات الإنجليزية المتعاقبة، ولكنها بدأت في الحقيقة والواقع في 1905.
فكانت البداية في تمكين إثيوبيا من احتلال منابع النيل الأزرق بواسطة إنجلترا في عهد الملك الإثيوبي منليك الثاني في سنة 1902، ثم كانت وثيقة هنري كامبل بترمان 1905- 1907، والتي أكد فيها حق الغرب في احتلال الشرق والسيطرة عليه ونهب خيراته بانتظام على مدار الزمان.
فمكن الإنجليز المحتلين لمصر والسودان، الحبشة بشكل مباشر، من انتزاع منابع نهر النيل بالقوة من مصر والسودان وتسليمها لإثيوبيا وإعطاها الحق في احتلال منابع النيل، في 1902، فأصبح النيل حق مكتسب خالص لها، لا ينازعه فيها أحد من أصحاب المنبع الحقيقيين في مصر والسودان.
فالنيل الأزرق يخرج من بحيرة تانا في إقليم بني شنقول السوداني، لذلك بنت إثيوبيا سد النهضة في الأراضي السودانية، والذي يبعد عن الحدود السودانية 20 كم، ولو كان النيل الأزرق يجري في وسط إثيوبيا، أو ينبع من أراضيها، لبنت هذا السد في وسطها، وليس على حدود السودان.
فمن الذي جرّأ إثيوبيا على انتزاع، حقوق مصر والسودان المائية في نهر النيل، والذي لم تأخذه إثيوبيا في عين الاعتبار، إلا بتخاذل الجهات المعنية وبتحريض واضح وصريح ومعلن من الغرب من أبناء وأحفاد الهنري، وقواه المتمثل في وكلائه في المنطقة العربية والإسلامية دون وضع أدنى اعتبار لحياة الشعبين في مصر والسودان.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر