(4) الإسراء والمعراج… معجزة إلهية
رحلة الإسراء والمعراج معجزة إلهية بكل المقاييس الإلهية، وكانت بتدبير من رب البشر وتأييد من الله سبحانه وتعالى وإذا كانت قوته سبحانه هي الحاكمة في هذه الرحلة المباركة، فلا مكان للحديث عن المسافات واختزال الزمن من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حتى ولو كان في شخص محمد صلى الله عليه وسلم.
وكأنَّ الكون وما فيه قد خُلق من أجل هذه اللحظة المدهشة، لحظة الإسراء والمعراج والتي أدهشت الكون بأسره والمفترض أنها تدهش البشر جميعًا في القرن الحادي والعشرين، الذي سمع ورأى بعينيه الغزو البشري للفضاء بالرغم من محدوديته، فإذا بها تتحدث عن الرحلة الإلهية، التي قادت بشرية محمد صلى الله عليه وسلم من ألف وأربعمائة سنة، فاخترقت حجب الملأ الأعلى وكل الحجب النورانية لتصل إلى سدرة المنتهى.
فيُفتح أمام محمد صلى الله عليه وسلم صندوق من الأسرار وكنز من كنوز الملأ الأعلى المليء بكل الأسرار فيرى فيه عظمة الجبار سبحانه وتعالى ويرى فيه رحمة الغفور الرحيم سبحانه وتعالى في كل مكان يرتاده ويرتقي فيه من حال إلى حال، بعد أن غاب عنها الزمان وذاب فيه المكان، فأصبح فيه الزمكان في خبر كان فتأخذه الدهشة وتتملكه الحيرة وكأنه في حلم مع أنه كان يعيش الحقيقة بعد أن تعلمها ورآها بعينيه وعاشها بروحه وجسده علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، مصداقًا لقوله تعالى: “وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ” (الإسراء: 60).
رحلة الإسراء والمعراج معجزة إلهية
فإذا كانت الرؤيا حلم، فكيف تكون فتنة للناس إلا إذا كانت حقيقة واقعة، لأن الحلم إذا فتن لا يفتن إلا صاحبه ولا يكون فتنة للآخرين، ما يعني أن كل ما رآه في رحلة الإسراء وفي رحلة المعراج إلى الملأ الأعلى، كانت حقيقة وواقع أمام عينيه ولكنه لم يُصدق نفسه ما رآه بنفسه بأنه رأى الحقيقة من شدة الانبهار وقوة البرهان بالرغم من كل ما رآه ومن شدة ما رأى وقوة ما شاهد من عظمة الملأ الأعلى، فشعر كأنه في حلم مع أنه يعيش كل الحقيقة بحفظ وعناية الرحمن وأكد الله سبحانه وتعالى هذه الرؤية الحقيقة فقال تعالى: “لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ” (النجم: 18).
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر