(15) الإسراء والمعراج… معجزة إلهية
فهل مسار الروح بعد مفارقتها للجسد هو نفس مسار رحلة المعراج إلى السماوات العلا؟ فتسكن في الجنة أو تسكن في النار، الواضح أن رحلة الإسراء والمعراج تُعطي لنا نموذجًا واضحًا وصريحًا على علاقة الروح بالجسد ونموذج مصغر على غرار المسار الذي تسلكه الروح بعد خروجها من الجسد.
كما أن رحلة الإسراء والمعراج نموذج مطبق على أرض الواقع في كل شيء في الكون وفي الحياة، فكل شيء له إسراء مادي على مستوى الجسد والذي يُمثل أقل من 0.01% وفي نفس الوقت له معراج على مستوى الروح والذي يُمثل أكثر من 99.99% .
كما أن كل المشاهد التي حدثت في رحلة الإسراء والمعراج غيب مطلق عنَّا مثل الغيب المطلق للروح بغض النظر عن المبنى المادي في رحلة الإسراء والمبنى المعنوي في رحلة المعراج، فكانت اختراق لكل حجب الغيب المختلفة التي سترها الله سبحانه وتعالى وأخفاها عن البشر الذين لا يفهمون حقيقة أنفسهم ولا يعرفون حقيقة الكون الذين يعيشون فيه عوضًا عن حقيقة السماء الدنيا والحامض النووي الذي يدير الخلية الحية.
وهذا ليس غريبًا ولا عجيبًا فقد كان العلم لا يعرف شيء عن الكائنات الدقيقة التي تصيب الإنسان بالكثير من الأمراض مثل الميكروبات والفيروسات والفطريات والطفيليات وكانت كلها غيب مطلق وبعد تكبيرها بواسطة الميكرسكوب أصبحت مشاهدة أمام العلماء في المختبرات وهذا معناه أن الغيب قد يصبح مشاهد مع تقدم العلم وأدواته وعدم رؤيتنا للكائنات الدقيقة من قبل لا يعني أنها غير موجودة، بل موجودة ولكننا لا نراها لوجود قصور علمي في معرفة وجودها ومشاهدتها على أرض الواقع.
مسار الروح ومسار رحلة المعراج
بل وكان حديث القرآن الكريم عن رحلة الإسراء والمعراج غضًا طريًّا كأنه ينزل الآن لا تلوثه أهواء البشر والتي أسرى فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اختير لهداية البشرية في رحلته الأرضية بين المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبًا البراق وفي صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام فنزل هناك وصلى بالأنبياء والمرسلين إمامًا، فكان الإسراء في جزء من الليل غيب وبالروح والجسد من مكة إلى القدس.
وبه تم القضاء على كل الأفكار الشاذة التي خرجت من تحت عباءة الإسلام بعد نزول القرآن الكريم ومدعية الانتماء إليه مع أنها كانت سببًا في تفريق كلمة المسلمين مثلها مثل الشيوعية والرأسمالية والماسونية والهتلرية والموسولينية وكانت النتيحة ذهاب كل هذه الأفكار الشاذة إلى مزبلة التاريخ وبقي الإسلام قويًّا شامخًا نقيًّا من كل الأوساخ والأدران والأفكار الشاذة التي يحاول البعض إلصاقها به، لتحقيق مصلحة شخصية أو غرض دنيوي وهو منها براء، مصداقًا لقوله تعالى: “مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ” (الروم: 32).
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر