(13) مصر… في الحج
كانت نهاية الفراعنة تلوح على مرمى البصر وفي لمح من البصر، حين انطفأ نجم الفرعون ولاحت في الأفق علامات الانهيار وبزوغ نجم موسى وقومه، فأسرع فرعون وجنوده الخطى بعددهم الذي يبلغ مليون جندي مدجج بكل أنواع السلاح خلف 600 ألف من بني إسرائيل، الذين لا يملكون من أمرهم شيئًا سوى أمر الله، وعصى موسى عليه السلام والذهب الذي سرقوه من المصريين والمصريات، فغرق فرعون وجنوده ونجى موسى وبني إسرائيل: “وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ أمنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِى أمنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ” (يونس: 90).
وبالرغم من اختناق الفرعون وجنوده وقربه من الغرق، لم يذكر الله في أحلك أوقات حياته ونهايته، ولم يعلن إيمانه بالله صراحة ولو قالها صراحة “آمنت بأنه لا إله إلا الله” لأنجاه الله من الغرق ولكنه الكبرياء والغطرسة التي ليست لها أصل ولا جذور في خلق الإنسان الضعيف والفقير إلى ربه، ولكنه الطغيان والسلطة والمال والعصيان والفساد، سبب كل بلاء في هذه الدنيا الفانية، قال تعالى: “آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” (يونس: 91).
لم يصدق بني إسرائيل هذا الحدث الضخم بانفلاق البحر الذي يحدث أمامهم، ولم يفهموا تلك المعجزة الكبرى التي تفقد الإنسان عقله وتذهب حلمه، فقد عاشوا لحظات حاسمة رهيبة، وكأنهم في حلم كبير، فالفرعون وجنوده قاب قوسين أو أدنى منهم، لكن جاء الإنقاذ من الله وأمر موسى أن اضرب البحر الأحمر بعصاك، فانشق نصفين، فأصبح وادٍ وطريق بين جبلين وتكون اثني عشر طريقًا بين كل طريق جبلين، عدد أسباط بني إسرائيل وكانت كل قبيلة تمشي في طريق خاص بها، وتنظر على القبائل الأخرى من شبابيك داخل جسم جبل الماء الذي فقد خاصية السيولة التي يتميز بها الماء وتحول البحر إلى فرقين، كان كل فرق مثل جبل العظيم، قال تعالى: “فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ” (الشعراء: 63).
نهاية نجم الفرعون
أما الفرعون وجنوده ومعه هامان، والملأ من قومه فقد أصابهم الذهول وأفقدهم التفكير وحسن التدبير، فكانوا سكارى، عندما رأوا انفلاق البحر ونزول بني إسرائيل فيه مشهد مصغر من مشاهد يوم القيامة، شعروا بفزع شديد ولم يصدقوا كل ما يحدث أمام أعينهم ويرونه ماثل أمامهم في اختراق موسى وبني إسرائيل البحر في مشهد لم يروه من قبل، ولم يستطيعوا التعبير عنه فتجمدت جوارحهم وكأنهم في حلم، لأنهم ذهبوا سريعًا خلف موسى وقومه من أجل اللحاق بهم وعندما وصلوا إلى منتصف البحر، ذهبت صلابة الماء وعاد إلى سيولته وأطبق البحر على فرعون وقومه، فماتوا جميعًا غرقى في البحر الأحمر.
وبالرغم من كل ذلك، ما زال الخوف من فرعونه وقومه يسيطر على موسى وبني إسرائيل بالرغم من رؤيتهم لفرعون وقومه في وسط البحر، مخافة أن يخرجوا من البحر ويدركوهم، فيأتي الأمر من الله لموسى بترك البحر على حاله لأن مصير فرعون وجنوده الغرق، قال تعالى: “وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ” (الدخان: 24).
ولم يطمئن بني إسرائيل على غرق فرعون وقومه، بالرغم من هذ المعجزة الهائلة، التي ليس لها مثيل على مر الزمان إلى قيام الساعة والتي عاشوها لحظة بلحظة ورأوها بأعينهم ومارسوها كأنها حياة طبيعية، فيعبرون فيها طريق في قلب البحر الأحمر، فأظهر الله لهم جثة فرعون، معجزة باقية إلى يوم القيامة، قال تعالى: “فَاليوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آياتنَا لَغَافِلُونَ” (يونس: 92).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فانفلق البحر الأحمر نصفين في مصر، وليس في بقعة أخرى منه، وفقدانه السيولة وتحوله إلى الصلابة، تقول لنا إن مصر لها مكانة كبيرة عند الله، فالذي منح الماء في البحر السيولة يستطيع أن يعطلها ويسلبها منه ويحولها إلى صلابة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر