(10) مصر… في الحج
كان الاحتفال بوفاء النيل عيدًا للفراعنة، يسمى يوم الزينة وحدث فيه اللقاء المرتقب بين موسى عليه السلام وفرعون، والذي انتهى بهزيمة فرعون ونهاية ملكه بعد عصيانه وتجبره وكفره بربه، مثل كل الجبابرة والطغاة، الذين حكموا مصر على مر الزمان، قال تعالى: “قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى” (طه: 59).
الاحتفال بوفاء النيل
وبالرغم من كل هذا الخير الوفير، طغى الفراعنة وتجبر الفرعون، فادعى كذبًا أنه يملك مصر، وادعى عن عدم علم ودراية، وقلة أصل ووضاعة وحقارة ودناءة أن فروع نهر النيل تجري من تحته، فخانه التعبير ووقع في فخ التنكيل بعد الكفر بالله، الذي أدى به إلى الهاوية والنهاية المأساوية في الدنيا والآخرة، قال تعالى: “وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ” (الزخرف: 51).
ولم يدرِ الفرعون أنه لا يملك نفسه ولا يملك من حوله، فكيف يملك ملك مصر وأنهارها وجميعها ملك لله بأرضها وأنهارها، ولكنه فكر كل طاغوت، أعمته السلطة وأضاعه المال وقد أفهمته زوجته، وذلك الرجل المؤمن من قومه، ولكن ضلال هامان قائد الجيش وهيماه بالسلطة، وتجبر قارون وحبه للمال مع أنه كان من السبعين رجلًا الذين لقوا الله في الطور، فأدى إلى انهيار ملك فرعون كما انهار وسينهار ملك الكثير من الطغاة على مر الزمان.
هلاك فرعون بسبب غشاوة قلبه
وتعدَّ الفرعون كل الخطوط الحمراء، بعد أن فقد عقله وغواه غشاوة قلبه، فكان مصيره إلى الهلاك، وهذا مصير كل طاغية وجبار، لا يدرك فضل ربه عليه ولو كان من عامة الناس، فما بالك بالحكام الطغاة، فجن جنونه وفقد توازنه وأخذ يتصرف تصرفات بهلوانية كالمذبوح، بعد ادعائه الألهوية مع أنه بشر وادعى من لم يدعه أحد قبله ولا أحد بعده، فجاءه الرد سريعًا بوقوع العذاب، قال تعالى: “فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ (22) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ (25) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ” (النازعات: 21- 26).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، تظهر لنا أن الأيام دول، فبالرغم من الرفاهية التي عاشها الفراعنة والتقدم الذي أحدثوه في كل مجالات الحياة في وفرة ماء النيل وذهبه، إلَّا أنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على حضارتهم، فانهارات أمام أعينهم بسبب ضلالهم وكفرهم، وهو نموذج بشري يتكرر على مدى القرون من آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة على مستوى الأفراد والأمم، مما يعني أنه لا ملجأ من الله إلا إليه.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر