(37) مصر… في الحج
لم يكن ربط القرآن الكريم بين أحداث الماضي وما حدث فيه وأحداث الحاضر وما يحدث فيه وأحداث المستقبل وما سيحدث فيه من قبل اللهو واللعب، وإنما كان الهدف من ورائه العبرة والعظة، ورسالة تؤكد في فحواها أن الله يحب عباده المؤمنين ويصبر على أذى عباده العاصين والكافرين، الذين يتمتعون بالخير والنعيم في أسباب الله في الدنيا وإلَّا ما خلق لهم هذا الكون الذي يعيشون في خيره وسهل لهم سبل الراحة والحياة تحته.
وهذا ما جعل الربط بين الأحداث التي حدثت مع الفراعنة وموسى عليه السلام في الماضي السحيق والأحداث التي وقعت بين كفار مكة ومحمد صلى الله عليه وسلم في الماضي القريب، رسالة تحذير تؤكد في فحواها أن النصر حليف المؤمنين حتى ولو بعد حين في الدنيا والآخرة بقوة الله لهم.
قال تعالى: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ” (غافر: 51).
أحداث الماضي وما حدث فيه.. هزيمة الكافرين في الدنيا
وأن الهزيمة الساحقة والماحقة مصير الكافرين في الدنيا، حتى ولو تسلحوا بكل أنواع الأسلحة الفتاكة التي يرشدهم إليها شيطانهم من أجل السلطة والمال والجنس، بعد أن اعتبروا إبليس قائدهم وناصحهم الأمين والهلاك لهم في الآخرة.
وها هو الشيطان يخذلهم في الآخرة ويتخلي عنهم كما خذلهم في الدنيا، قال تعالى: “وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (إبراهيم: 22).
وهذا يؤكد أن المعركة قائمة ودائرة وممتدة بين الحق في رسالة الأنبياء والمرسلين والباطل في رسالة إبليس اللعين، فالإنسان هو الإنسان بين رحى الإيمان والكفر ودور الشيطان محوري وأساسي في الهيمنة والسيطرة عليه وإضلاله، ولكن كان الإيمان هو المنقذ الوحيد له في كل الأحوال.
قال تعالى: “إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ” (المعارج: 19- 22).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، لأن ربط الأحداث ببعضها البعض الآخر، يُمكِّن الإنسان من التفرقة بين الحق والباطل والغث والسمين، ويتأكد أن الباطل كان زهوقًا وأن النصر للحق في نهاية المطاف.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر