(53) مصر… في الحج
عاشت هاجر وإسماعيل بجوار الصفا والمروة وفي حضن ماء زمزم، الذي مثل ظهوره وتدفق مائه نقطة انطلاقة كبرى في مكة بشكل عام وفي الحج ومناسكه بشكل خاص، وكان من الإرهاصات الكبيرة والأحداث العظيمة، التي كانت سببًا في عمارة مكة المكرمة وكانت إيذانًا بسكنها وفتح الطريق أمام البشر من كل قارات العالم، للعيش فيها بعد توفر نبع الحياة المتمثل في ماء زمزم.
نقطة انطلاقة كبرى
وبالرغم من أنه ماء غير عادي تدفق بأمر الله سبحانه وتعالى، إلَّا أن بركته كانت سببًا في تقاطر الناس من البداية حوله وهجرتها إليه، خاصة قبيلة جرهوم بعد أن رأت الطيور تحوم حول المكان الذي تسكنه هاجر وابنها فوصلت إليه وهناك كانت بداية العلاقة بين هاجر وابنها اسماعيل وقبيلة جرهوم.
لكن من أين أتت قبيلة جرهوم؟ كل الرويات التاريخية التي تتحدث عن هاجر وابنها ومكة، وقبيلة جرهوم، أن قبيلة جرهوم قبيلة يمنية وصلت إلى مكة المكرمة بعد انهيار سد مأرب، وهذه رواية تنقصها الدقة وغير صحيحة.
حقيقة نسب قبيلة جرهوم
ولكن يبدو أن الصحيح هو أن جرهوم قبيلة مصرية، نزحت إلى مكة المكرمة من تل العمارنة بالمنيا، وهي قبيلة من الموحدين الذين حوربوا من كهنة المعبد الفرعوني، في مدينة منف بسقارة بعد أن أصبحت تل العمارنة مدينة الموحدين في عهد الملك إخناتون.
ومن اسم جرهوم يمكن تنسيبها ومعرفة أن أصلها قبيلة مصرية، وجرهوم تتكون من مقطعين، “جر” ومعناها مصري في الهيروغرافية، و”هوم” معناها السيد أو الحاج، فقبيلة جرهوم معناها السيد أو الحاج المصري.
ومن الملاحظ أن “جر” التي بدأت بها كلمة جرهوم، انتهي بها اسم هاجر عليها السلام “جر”، فكلمة جر مشتركة بين هاجر وجرهوم، فما انتهت به هاجر في “جر”، ابتدأت به جرهوم في “جر”، وهذا يؤكد أن جرهوم قبيلة مصرية من اسمها.
ثم إن قبول هاجر عليها السلام، بالعيش مع قبيلة جرهوم واطمئنانها إليهم وفهمها للغتهم من خلال التواصل معهم، يؤكد أن قبيلة جرهوم قبيلة مصرية نزحت إلى مكة، وكانت آخر قبيلة من الموحدين، بعد أن قضى كهنة المعبد الفرعوني على كل من له علاقة بالتوحيد، وليست قبيلة يمنية كما يُشاع.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، أن يقيض الله قبيلة جرهوم المصرية، لهاجر وابنها إسماعيل عليهما السلام في مكة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر