(2) الإسراء والمعراج… معجزة إلهية
عقل الإنسان ووسائل إدراكه لا يُمكن أن تُدرِك حقيقة الكون وما فيه وما كان غيبًا بالأمس أصبح مشاهدًا اليوم، ومن ثمَّ فحديث العقل والفكر عن الإسراء والمعراج محدود لم يتعدَّ الـ0.01%، بينما حديث الروح بلا حدود يتعدَّ الـ99.99%، وهذا يؤكد محدودية العقل والفكر ومدى اتساع الروح في الهيمنة والسيطرة على مقدرات الإنسان.
فرحلة الإسراء والمعراج تُمثل ذروة الإسراء الموجود في الكون قبل خلق المخلوقات وتُمثل ذروة المعراج، الذي يدير حركة المخلوقات في الكون من وراء ستارة بالغيب المطلق.
فكان الإبهام هو عين البيان في رحلة الإسراء والمعراج، التي أظهرت لنا جزءً هامًّا من حقيقة المشهد في فن إدارة الكون من خلال الإسراء والمعراج الذي يحدث على مدار اللحظة في الكون والإنسان وسائر المخلوقات.
ويبدو أن للكلمة مسارات متعددة لها علاقة برحلة الإسراء والمعراج من ناحية وجودها في الكون، ثم انتقالها في مسارات مختلفة إلى الملأ الأعلى والآخرة، لأنَّه لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الشق المادي للكلمة الذي يُمثِّل 0.01% من الشق النوراني للكلمة الذي يُمثل 99.99% وما يتبعها من جمل وعبارات لوصف حال الإنسان وكل المخلوقات القائمة على خدمته على قدم وساق دون تعب منه أو مجهود بل هي مسيرة في خدمته.
لقد أهل نزول القرآن الكريم وجُهز محمد صلى الله عليه وسلم لهذه الرحلة الفذة والمتفردة زمانًا ومكانًا، فكانت بمثابة تقوية للروابط وعنوانًا بين أهل السماء في صورة جبريل عليه السلام وأهل الأرض، بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم في وجود رعاية حصرية من قِبل الله سبحانه وتعالى.
ما وصل إليه عقل الإنسان ووسائل إدراكه
كما أنها تشير إلى أن حياة الإنسان في الدنيا قائمة على مبدأ الصعود والهبوط في كل لحظة من لحظات حياته بين رحلة مادية يمثلها الإسراء بجسده ورحلة معنوية نورانية يُمثلها المعراج بروحه.
فلا يستطيع أن يعيش بجسده وحده منفصلًا عن روحه ولا يستطيع أن يعيش بروحه وحده منفصلًا عن جسده، فكلاهما الجسد والروح ضروريان لحياة الإنسان مثل الإسراء والمعراج.
وهذا يُعطي دلالة قوية على وجود الله سبحانه وتعالى وفي نفس الوقت، تؤكد أنَّ زمام وخلافة الأرض والسماوات السبعة، قد سلم بالكامل للإسلام في شخص محمد صلى الله عليه وسلم وأنَّ كل ما يجري في الأرض من أحداث له علاقة وطيدة برحلة الإسراء والمعراج.
حتى على مستوى الذرات والجسيمات الأولية داخل الخلية العضوية وعلى مستوى الكواكب والنجوم والمجرات، وكل هذا يؤكد أنَّ الله سبحانه وتعالى موجود حتى ولو لم نراه فيقضي على فكر الملحد وأنه واحد لا شريك له فيقضي على فكر المشرك ويؤكد مسيرة البعث في الدنيا من خلال التجديد الذاتي والتلقائي لكل مكونات الكون والإنسان فتقضي على فكر الكافر الذي ينكر البعث في الآخرة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر