(11) الإسراء والمعراج… معجزة إلهية
بعد أن استلم محمد صلى الله عليه وسلم مفاتيح الخلافة عن خلافة الأرض بكامل ترابها في مكة المكرمة باعتبارها أم القرى ومركز الأرض تسلم في المسجد الأقصى مفاتيح خلافة آدم عليه السلام في الأرض التي انتقلت إلى الأنبياء والمرسلين من ذريته فصلى بالأنبياء والمرسلين إمامًا والذين جمعهم الله سبحانه وتعالى خصوصًا لتأكيد انتقال ميراث الخلافة إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
فكانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، بمثابة إعلانًا من الله سبحانه وتعالى أمام الكون كله بانتقال خلافة الأرض وخلافة البشر إلى الإسلام في شخص محمد صلى الله عليه وسلم وكل هذا ممثلًا في إبراهيم عليه السلام وذريته مصداقًا لقوله تعالى: “وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ علىكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا علىكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ” (الحج: 78).
ومن هنا كانت الأهمية القصوى لرحلة الإسراء وكان الغرض في تحقيق هذا الهدف من الانتقال من مكة المكرمة إلى بيت المقدس إعلانًا بعودة مسار الخلافة من جديد ورجوعها إلى الإسلام بعد أن أصبح الدين الخاتم والحاضن لكل الأديان والشرائع والحافظ لمسيرة الأنبياء والمرسلين من آدم عليه السلام مرورًا بإدريس ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وداوود وسليمان وموسى وعيسى عليهم جميعًا الصلاة والسلام.
خلافة الأرض بكامل ترابها
وقد سجل القرآن الكريم هذا المعنى الذي أمكن استنباطه من رحلة الإسراء في أحرفه وكلماته وآياته وفي مسيرة الأنبياء والمرسلين من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم بأحرف من نور، فكان بمثابة الوثيقة الإلهية المعجزة التي حفظ فيها الله سبحانه وتعالى مسيرة الأنبياء والمرسلين دون تزييف أو تحريف، مصداقًا لقوله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون” (الحجر: 9).
فالروح التي تُمثل الطاقة الإلهية وتمنح الجسد القوة وتبعث فيه الحياة، هي الطاقة التي حولت الإسراء والمعراج إلى معجزة إلهية مثل معجزة الروح، فكما أن الروح معجزة خارج إطار الزمان والمكان المادي فان رحلة الإسراء والمعراج كانت في هذا الإطار خارج الزمان وخارج المكان مثل الروح تمامًا.
نزول القرآن الكريم
كما أن الأيادي التي تلقفت محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة النورانية كانت كلها أيادٍ نورانية من الملأ الأعلى مثلها مثل الأيادي النورانية التي تلقفت نزول القرآن الكريم من الملأ الأعلى ونزوله إلى الأرض.
مع وجود فروق شاسعة بين نزول القرآن الكريم من الملأ الأعلى بواسطة جبريل عليه السلام بينما رحلة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس كانت في صحبة جبريل عليه السلام والبراق وجمع لمحمد صلى الله عليه وسلم الأنبياء والمرسلين وفي المعراج طاف بالسماوات السبعة، وقابل سكان الملأ الأعلى ووصل إلى سدرة المنتهى وما فوقها، فكانت رحلة الإسراء والمعراج نتيجة مباشرة وجامعة لرحلة نزول القرآن الكريم من الملأ الأعلى.
البراق دابة نورانية
جبريل عليه السلام ملك نوراني والبراق دابة نورانية من دواب الملأ الأعلى ويبدو أنها وسيلة انتقال مجهزة من أجل حمل محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج وهذا معناه أن هناك وسائل مواصلات نورانية خاصة بسكان الملأ الأعلى أقوى وأسرع بكثير من البراق أو أن سرعته متغيرة حسب المكان الذي يرتاده كما أن الصحبة كان جبريل عليه السلام بنورانيته وشأنه العظيم عند ربه وعظم خلقه وكل هذا في نور ورعاية وعناية وحفظ من الله سبحانه وتعالى في وجود نورانية وطغيان روح صاحب الدعوة محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها من الأنوار.