(4) الإنسان… بين الدنيا والآخرة
تمخض الانفجار الأول العظيم عن خلق الكون وولادته وما فيه من مخلوقات، وتمخض الانفجار العظيم الثاني عن خلق الإنسان وولادته في الرحم، وكلا الانفجارين أصلهما واحد من ذرة من الهيدروجين.
ويمران بمرحلة الجنين والطفولة والصبية والفتية والبلوغ والشباب والرجولة والكهولة والشيخوخة والموت بعد نهاية الحياة، كلٌ حسب عمره في الحياة، فالإنسان يعيش مائة عام والكون عمره 15 مليار سنة.
وما بين الانفجارين الأول والثاني، خلق الله الكون والإنسان من الماء، ففي الانفجار العظيم الأول، الذي حدث في ذرة من الهيدروجين من الماء، خُلق على إثره الكون بما فيه من كواكب ونجوم ومجرات وفي الانفجار العظيم الثاني، الذي حدث خلية من الحيوان المنوي مع البويضة، في نطاق السائل المنوي من الماء، والذي نتج من اختراق الحيوان المنوي للبويضة، خُلق على إثره الإنسان، بما فيه من خلايا وأنسجة وأعضاء وأجهزة.
قال تعالى: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” (الأنبياء: 30).
ولكن الانفجار العظيم الأوَّل، حصل مرة واحدة، وتشكل على إثره الكون الذي نعيش فيه، أمَّا الانفجار العظيم الثاني الذي يتمخض عنه خلق الجنين، فيحدث للإنسان على مدار اللحظة في داخل الرحم وليس على مستوى البشر وحسب ولكن يحدث أيضًا، على مستوى كل المخلوقات مع اختلاف طرق خلقها وإيجادها من عدم وامدادها من عدم، سبحان الله.
فيأتي الإنسان إلى الدنيا من الرحم، ضعيف البنية واهن الجسد هش النفس، يحتاج إلى من يرعاه ويهتم به ويحنوا عليه، فيعيش فيها بعمره القصير، حتى لو كان مائة عام، فيصبح ضعيف البنية واهن في جسده هش في نفسه، لا يملك من أمره شيء، يحتاج إلى من يرعاه ويهتم به ويحنوا عليه، ويخرج منها ضعيف لا يملك من أمره شيء، إلى أن يترك الحياة بالموت، إنما الأمر كله لله.
ولكن الأمر الأكثر غرابة من كل ذلك، أن الضعف والوهن يسيطر على مكونات الكون والإنسان، فكل منهما مليء عن آخره بالفراغ، الذي تمثله الذرات اللازمة لبناء كل من الكون والإنسان في الشكل والمضمون، وبالرغم من أن إنسان واحد وزنه مائة كيلو جرام فيه مائة تريليون ذرة، فما بالنا بحجم كل الذرات الموجودة، في خلق الكون وخلق الإنسان، إذا كان إنسان واحد به مائة تريليون من الذرات.
ولكن ثبت علميًا أن الفراغ داخل الذرة الواحدة، يمثل 99.99% من حجم الذرة، فكيف تتماسك هذه الذرة بالرغم من وجود هذا الفراغ الهائل داخلها؟
وكيف تعيش الذرة في هذا الفراغ الهائل وتحافظ على حياتها، وما الذي يمنع كسر هذه الذرة؟.. إذا كانت لا تحتوي على كتلة داخلها تؤهلها من الحفاظ على حجمها وذاتها ووجودها.
هل يتصور أحد من البشر أنه يعيش في فراغ، في داخل ذراته وفي جسده وروحه؟، فكيف يقوم الإنسان ويتحرك ويمشي وينام ولا ينكسر أو ينهار، بالرغم من وجود هذا الفراغ الهائل في ذراته، وما هي القوة الهائلة والعظيمة التي تتحكم في هذه الذرة، وتمنع هذه الذرة من الانكسار بالرغم من هذا الفراغ، لا شك أنها قوة الله سبحانه وتعالى.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالإنسان يعيش في كون من فراغ ويعيش في نفس من فراغ، والذرة بفراغها البالغ 99.99%، فلم ينكسر الكون ولم ينكسر الإنسان، بالرغم الفراغ الهائل الموجود في الذرة، فمن يملأ هذا الفراغ سوى قدرة الله سبحانه وتعالى.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر