(8) الإنسان… بين الدنيا والآخرة
حياة الإنسان تبدأ بالبناء المادي والنوراني في الدنيا بعد رص الخلايا والأنسجة والأعضاء والأجهزة المادية والنورانية، وصبهما معًا في قالب واحد، مادي نوراني بشكل معجز لا يعرف الطب عنه شيء يذكر.
ولم يجد العلم تفسير مقنع قائم على أدلة علمية حقيقية عنه، من خلال التقاء الروح بالجسد، مكونة حياة الإنسان في الدنيا، بشكل مبهم وطريقة غامضة وغير مفهومة وغير معقولة، على مستوى الروح والجسد في علم البشر.
وعملية الهدم بالموت النوراني والمادي التي تطال الإنسان، فبعد خروج الروح النورانية، تتفكك أوصال الروابط وتتقطع بين الروح والجسد، فتنهي حياة الإنسان في الدنيا بالآخرة، فتنفصل الروح التي تبعث الحياة في الجسد عن الجسد، وتعود الروح إلى خالقها ويذهب الجسد إلى التراب، بعد موت وتفكك وتحلل الخلايا والأنسجة والأعضاء والأجهزة، بشكل مبهم وطريقة غامضة وغير مفهومة وغير معقولة، على مستوى الروح والجسد في علم البشر.
الخلايا والأنسجة والأعضاء
وما بين البناء والهدم وانتشار الغموض والإبهام والعدم في جنبات الإنسان، وفي خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته المختلفة المادية المتعلقة بالجسد والنورانية المتعلقة بالروح، تتجلى عظمة الخالق الله سبحانه وتعالى فيما خلق وقدر ويظل كل شيء، بعيدًا عن تفكير العقل في المعقول في استيعاب حقيقة الإنسان ووجوده في الحياة، في بواطن فكره وفي عمق إدراكه وفهمه في القلب في العقل وفي العقل في العقل والعاطفة.
وما بين هذا وذاك يتأرجح الإنسان بين دورتي الحياة والموت دون أن يعرف طبيعة الحياة ودون أن يدرك طبيعة الموت، فيذهب إلى ميدان اللا معقول، الذي ليس له شرح وليس له تفسير.
فكما جاء الإنسان إلى الدنيا بشكل غامض ومبهم في لحظات، يمشي الإنسان من الدنيا ويرحل منها ويتركها بشكل غامض ومبهم في لحظات دون مقدمات، ودون الإعلان عن موعد القدوم أو موعد الإقلاع والرحيل بل هو أمر الرحمن، الذي له ملك السماوات والأرض وخلق كل شيء فقدره تقديرًا.
قال تعالى: “الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا” (الفرقان: 2).
فيتبعثر الإنسان في حاله ويتبخر في خلاياه وذراته ويختفي من الدنيا ويذهب إلى الآخرة في لحظات وكأنه فص ملح وذاب، بعد أن كان ملء السمع وملء البصر، وكان كل شيء إن كان ولم يدرك الإنسان أنه عدم في نفسه ومكوناته، جاء من العدم وذاهب إلى العدم، فلا حول له ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال تعالى: “أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلينَا لَا تُرْجَعُونَ” (المؤمنون: 115).
فطبيعة العلاقة بين الدنيا في الدنيا والحياة غير مدركة بالعلم وغيره وغير مفهومة، وطبيعة العلاقة بين الآخرة في الآخرة بالموت غير مدركة بالعلم وغيره وغيرمفهومة، فكل من الدنيا والآخرة لغز محير وسر مكنون من أسرار الخالق سبحانه وتعالى، فالسقف الزمني للإنسان لاستيعاب العلاقة بينهما أو كل على حدة، محدود إلى درجة العدم.
وبالرغم من أن الحياة والموت، صنوان لا يفترقان مكملان لبعضهما مع أن كلاهما على وجهي نقيض، الدنيا والآخرة في الظاهر، إلا أن كلاهما يكمل الآخر، وكلاهما عصي على الاختراق في الفهم والتقدير والتدبير، في علاقة الروح بالجسد في الدنيا وعلاقة الجسد بالروح في الآخرة.
فالحل الوحيد أمام الانسان، أن يسلم وجهه إلى الله خالق الدارين الدنيا والآخرة، حتى يكون في مأمن في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: “بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 112).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالحياة تبدأ بالبناء وتنتهي بالموت في الهدم، فلا يعرف الطب شيء عن دخول الروح في الجسد ولا خروجها منه، فكل شيء مبهم وغامض وغير مفهوم وغير معقول في علم البشر.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر