(34) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
تشير الآيات القرآنية إلى معجزة خلق السماوات والأرض بالحق وعظمة الله، وتدعو العقول الواعية إلى النظر في طبيعة خلق هذا البناء المذهل بهذا الشكل المتقن، وتؤكد أن استيعاب طبيعة وعظمة خلق هذا البناء الجبار، لا يحتاج إلى علم يدلل عليه، ولا معرفة تؤكده بقدر ما يحتاج إلى البديهية والاستنباط.
لأن الله موجود في النفس الإنسانية على امتداد عمر الإنسان، تعيه العقول البسيطة وتستوعبه القلوب المؤمنة، فيؤمن الإنسان بشكل تلقائي بوجود الله داخله، حتى ولو لم يرسل أنبياء ومرسلين لهدايته.
معجزة خلق السماوات
فارتفاع السماء بغير عمد ترفعها ولا شيء يمسكها ويشدها إلى أعلى، دليل على القدرة الفائقة والهيمنة الخارقة للعادة، وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والمجرات السائرة في الفضاء والسابحة فيه آية أخرى، كلها تؤكد وجود الله، وتقضي على فكر الكافر والملحد والمشرك.
قال تعالى: “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ” (الحجر: 85).
وأما آية خلق الأرض في جبالها ووديانها وبحارها وأنهارها وأشجارها ومعادنها والفلك التي تجري في مائها وسائر المخلوقات فيها، من حيوانات وطيور وحشرات ونباتات وغيرها وتسخير الرياح والسحاب، كلها آيات دالة على عظمة الخالق ووجوده.
قال تعالى: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” (البقرة: 164).
وهذه الآيات القرآنية التي تتحدث عن خلق السماوات الأرض، تضمن في محتواها كل أصول العلم وأساس الفكر الواعي الرصين، الذي يجب أن يتميز به الإنسان العاقل، وتدعو أولي الألباب إلى التدبر واستخدام العقل في التفكير بشكل متكرر، حتى يؤمنوا فلا يكون للناس حجة على الله عند حسابهم وعقابهم في الآخرة.
قال تعالى: “إِنَّ فِى خَلْقِ السماوات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُوْلى الْأَلْبَابِ” (آل عمران: 190).
وقال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات وَالْأَرْضِ واخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعالِمِينَ” (الروم: 22).
وقال تعالى: “خَلَقَ اللَّهُ السماوات والْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤمنِيْنَ” (العنكبوت: 44).
كما أنها تتحدث عن خلق السماوات والأرض، بشكل متزامن، قال تعالى: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ لَيَقُوْلُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤفَكُونَ” (العنكبوت: 61).
وقال تعالى: “لَخَلْقُ السماوات وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ اكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ” (غافر: 57) وقوله تعالى: “قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السماوات وَالْأَرْضِ” (إبراهيم: 10).
معجزة خلق السماوات والأرض
وهذا معناه أن خلق السماوات والأرض تم في لحظة واحد، وفي توقيت واحد لا تسبق السماوات الأرض ولا تسبق الأرض السماوات، إلا في الخلق التدريحي لهما، حتى يفهم الإنسان عن ربه ما قدره في خلق الكون بسماواته وأرضه، ثم حديثه عن الأرض ثم السماء، ثم الإنسان.
فيعلم ما يخرج في الأرض من مطر وغيره وما يخرج منها من نبات وغيره وما تحتويه من معادن نفيسة وغيرها بشتى الألوان والأحجام، وما ينزل من السماء من ماء وملائكة وما يعرج فيها ويصعد من ملائكة وأعمال العباد وهو معهم بقدرته وسلطانه وعلمه أين ما كانوا والله بما تعملون بصير، فيبصر أعمالكم ويراها ولا يخفى عليه شيء منها، قال تعالى: “هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (الحديد: 4).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، لأن أحداث الكون وما فيها قائمة على قدرة الله في العلم والحكمة واللطف والخبرة، التي تحفظ وجوده وتحافظ على ديموميته واستمراره إلى حين.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر