(18) مصر… في الحج
بالرغم من هدوء نهر النيل في حلمه وسريانه إلَّا أن البحر الأحمر من ناحية أخرى، كان غريب الأطوار في هدوئه وهيجانه، فكان غضبان وثائر، فمن ناحية كان رحيمًا بموسى وقومه مشفق عليهم رؤوف بهم بأمر من ربه، فنجاه وقومه فشق لهم طريق فيه يابس لا طين فيه ولا يخشى فيه من الغرق، قال تعالى: “وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ” (طه: 77).
نهر النيل في حلمه وسريانه
ومن ناحية أخرى كان غاضبًا وهائجًا وثائرًا ومتوحشًا وشريرًا، فأظهر العين الحمراء للفرعون وجنوده، ثم ابتلعه ونكل به شر تنكيل فخنقه ومات غرقًا، فقضي عليه وعلى حضارته، قال تعالى: “فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ” (طه: 78- 79).
وما بين الرأفة والرحمة والعنف والشدة، تبرز رحمة الله للطائعين من خلقه في موسى وقومه وعذابه للعاصين من خلقه في فرعون وقومه، حتى تكون هناك عبرة وعظة لمن نجى ومن غرق من طرفي النزاع والعبرة والعظة، قائمة ومستمرة لكل من يأتي بعدهما جيل بعد جيل إلى قيام الساعة في كل ما حدث وكان ولا يظلم ربك أحدًا.
ملحمة بين الحق والباطل
إنها ملحمة ومعركة حامية الوطيس بين الحق والباطل قطبيها الماء، فالنيل كان مأمورًا فحمل موسى إلى بيت فرعون، وسلمه له ولحاشيته، مع أن موسى طفلًا رضيعًا، وطبقًا للطقوس الفرعونية، كان من المفروض أن يكون في عداد الموتى، بعد ذبحه على أيدي جنود الفرعون وجواسيسه في سنة الذبح المقررة في قانون الفرعون ولقد همَّ الفرعون في أكثر من مرة في بيته بذبح موسى، ولكن كانت قوة الله وعنايته، تلاحق موسى بعد أن حنن الله عليه قلب زوجة فرعون وخدمة وحفته رعاية الله وحمته من كل أذى، قال تعالى: “وَأَلْقَيْتُ عليكَ مَحَبَّةً مِنِّي” (طه: 39).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، في أن يكون نهر النيل بمائه العذاب والبحر الأحمر بمائه المالح، سببًا في نجاة موسى وقومه وسببًا في غرق وهلاك فرعون وقومه ودمار حضارته.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر