(6) مشروع الفسيلة… ودروس من الهجرة
كما نقلهم نقلة نوعية من البطالة إلى العمل والجد والاجتهاد ومن التسيب إلى الانضباط، ومن التخلف إلى باحة العلم والتقدم والرقي والازدهار ومن الكذب والنفاق إلى الصدق والشفافية، ومن تفكك الأسرة إلى لملمة شمل إلأسرة بالمودة والرحمة، ومن الانحراف والزنا إلى الاستقامة والطهر والعفاف والنقاء ومن الغش والخداع إلى الصدق والأمانة.
ومن الجور والظلم إلى العدل والمساواة والإنصاف ومن سرقة أموال الناس بالباطل، إلى الإيثار والبذل والتضحية والعطاء ومن الفساد إلى الإصلاح والشفافية، ومن معاداة النفس والذات والإنسان والحياة والآخرة إلى الصلح مع النفس والذات والإنسان والحياة والآخرة، ومن ضياع حقوق العباد إلى حمايتها والمحافظة عليها في كل الأوقات، ومن التفرقة بين السادة والعبيد إلى المساواة بينهما، بل وتفوق العبيد على السادة في كثير من الأحوال.
ومن هنا نلاحظ أن الخروج المعجز من مكة إلى المدينة، بكل ما له من معنى، لم يكن ببعيد عن الأقوال والأفعال التي دشنها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، ومع ظهور المجتمع الجديد في المدينة المنورة والذي آخى فيه الرسول الكريم بين المهاجرين والأنصار.
فجعل الأنصاري، يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، فيعرض كل ما يملك من أموال ونساء على أخيه المهاجر الذي خرج من مكة، فقير لا يملك شيء فيقسمه معه بالتساوي، ويتحول المهاجر الفقير إلى مالك بدلًا من أن يصبح فقيرًا عاطلًا عن العمل أو عامل أجير لا يملك شيء، مصداقًا لقوله تعالى: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (الحشر: 9).
امتزاج القبائل والأعراق والقوميات
وفي هذا المجتمع الجديد امتزجت فيه كل القبائل والأعراق والقوميات والديانات في بوتقة واحدة، قوامها العدل والمساوة والإنصاف بين كل الناس الساكنين في المدينة، في جميع الحقوق وكل الواجبات دون التفرقة في الألفاظ والعقائد والمسميات، من خلال الفهم الواعي والعميق والدقيق لسماحة وعدالة الإسلام.
وكان لمسح لفظ كلمة الأنا ومحوها من قاموس العرب والمسلمين، ومن قلوبهم قبل عقولهم إلى صيغة العمل الجماعي والعيش المشترك، الواقع السحري في نفوس الجميع، وكل هذا كان نتيجة طبيعية ومباشرة لخروج الإسلام من ضيق الغارين إلى سعة العالم، إلى أن وصل الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها وحول الكرة الأرضية، وهو يدعو إلى الخير والنماء والحب والعطاء والوئام والعيش المشترك، في أمن وسلام واطمئنان بين كل البشر.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد