(58) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
كما أن الكلمة التي ينطق بها الإنسان وتخرج من على لسانه، تُعبِّر عن شخصه، فإن لها مسارات مختلفة ومعقدة داخل جسمه، وفي الكون الذي يعيش فيه من حوله، فتعتمد على طبيعة الكلمة وأثرها في نفس الإنسان وفي المجتمع الذي تعيش فيه، فالكلمة الطيبة لها آثارها الطيبة، ولها مساراتها الطيبة.
قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” (إبراهيم: 24- 25).
لكن لماذا ربط الله بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة؟.. فهل هناك علاقة بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة وهل أصلهما واحد؟، وإذا كان كلاهما كلمة، فالكلمة كلمة والشجرة كلمة، لكن ما هو العلاقة بين الشجرة والكلمة؟، إلا إذا كان للكلمة دور أساسي ومحوري، في نمو الشجرة بجذورها وجذوعها وسيقانها وأوراقها وبراعمها وزهورها وثمارها.
الكلمة تحمل طاقة مادية
فالكلمة تحمل في طيات أحرفها طاقة مادية عظيمة وطاقة معنوية هائلة، وبها ينزل المطر من السماء يحمل بصمتها، وبقوتها تخصب التربة ببصمتها، وتضبط الطقس وتعيد التوازن للكون وتحافظ عليه ببصمتها، وتخرج منها الطاقة التي تمد الكون والحياة بكل أسباب الحياة.
فإذا كانت الكلمة تعبر عن رأي شخص وزنه مائة كيلو جرام، فهي تعبر عن الطاقة التي تخرج بها من هذا الجسم، على المستوى المادي، والتي تحتوي على بروتين وكربوهيدرات ودهون وأملاح معدنية وفيتامينات، وهيدروجين وأوكسجين وكربون وفسفور.
وهذه الطاقة التي تحملها الكلمة في أحرفها، تكون سبب في نزول الماء من السماء، لأنها تمثل مكونات طاقة الجسد في وجود الهيدروجين والأوكسجين، والذي يتصاعد إلى السماء، فينزل به المطر الذي يحمل بصمة الشخص صاحب الكلمة، وبالماء تنبت الشجرة، بعد تلقيها الغذاء من الكلمة، الذي يخصب التربة خاصة البروتين والسكريات والدهون والاملاح المعدنية والفيتامينات.
ومن هنا كانت العلاقة الوطيدة بين الكلمة والشجرة، وهذه الكلمة تمثل عشرة وأمامها اثنى عشر ألف صفر، كما قلت من قبل، فكم تحمل من الطاقة التي يستفيد منها صاحبها، وترسلها إلى الفضاء من حوله، أنها لا تنبت شجرة واحدة، بل ملايين ومليارات وتريليونات وسنيليونات من الأشجار.
والتي تدخل في دورة ذاتية، من الإنتاج الذاتي والدائم والمستمر بلا انقطاع، والذي يستفيد منها الناس على مر الأجيال، وتنتقل بين الأفراد والجماعات بشكل متقن، وتظل تؤتي أكلها وثمارها، كما قال رب الأرض والسماء، بانتظام إلى قيام الساعة حتى بعد موت صاحبها، الذي يحصد من ورائها كل هذه الحسنات.
الكلمة والشجرة تخرج مليارات من الطاقة
ومن الكلمة والشجرة، تخرج ملايين ومليارات وتريليونات وسنليونات، من الطاقة التراكمية والمحبوسة داخل الكلمة وأحرفها، وداخل الشجرة بجذوعها وجذورها وسيقانها وأوراقها وبراعمها وزهورها وثمارها وآثارها، والتي تمد الكون بالبقاء، وبما يحتاجه من طاقة، فيظل قائم بذاته، ويقوم بعمل صيانة ذاتية لنفسه، دون تدخل من أحد، بواسطة دورة الحياة التي تتم في الكون خارج إطار فكر الإنسان المحدود، وبقدرة خالق الكون اللامحدودة.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم يبين لنا أثر الكلمة في حياة البشر، ومساراتها المختلفة داخل النفس الإنسانية للمتكلم والمتلقي، كما أن لها دورة حياة لانهائية، تدور فيها داخل الإنسان، وبين الأرض والسماوات.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
3 تعليقات