(61) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
تترك الكلمة بصماتها، في مكان نشأتها وتخليقها داخل الجسم في روح وكيان الإنسان، وتحسب عليه تعبيرات وجهه وذاته والجنان وروحه، وفي كل شيء داخله ماديًّا ومعنويًّا، وقبل خروجها على طرف لسانه، من خلال مرورها بمسارات عديدة ومتعددة لا أول لها ولا آخر.
فتنقل الكلمة من مستوى أدق إلى مستوى آخر أدق منه، داخل الخلايا والأنسجة والأعضاء والأجهزة المختلفة للجسم للشخص المتكلم، فيتم تسجيلها في كل هذه المسارات المختلفة وبأدق تفصيلها بظاهرها المعروف وباطنها المجهول، والذي يخفيه المتكلم عن عامة الناس وخاصتهم.
ثم تنتشر الكلمة في كل حدب وصوب وتنطلق في الفضاء، محمولة بالهواء وبخار الماء، الموجود في كل مكان، فتسجل فيه وعليه والذي يدفعها إلى أركان الأرض الأربعة، فتسجلها بالصوت والصورة والفيديو، كما سجلت من قبل داخل كيانه وفي الهواء المحيط به، وفي ماديات الأرض ومعنوياتها.
وعندما تصل الكلمة إلى أسماع من يسمعها، تأخذ الكلمة نفس مسارات الكلمة داخل صاحبها، فيتم تجميعها بواسطة البوق في الأذن الخارجية للمستمع، ثم تنتقل إلى الأذن الوسطى ثم الأذن الداخلية، التي تحولها بدورها إلى موجات كهرومغناطيسية، فتنقلها الأعصاب، إلى المخ عبر مراكز السمع التي يترجمها، فتخرج من المستمعين ببصمة صاحبها والتي خرجت على لسانه أول مرة.
فيتم تسجيل الكلمة في داخل المتكلم وفي داخل المستمع، ثم تنتقل عبر مسارات مختلفة إلى الكثير من المتكلمين، والعديد من المستمعين في حدود المكان أو عبر التليفون والتلفاز، والمحادثات الجماعية والتي تصل إلى أركان الأرض الأربعة عبر الموجات الكهرومغناطيسية، فيسمعها كل من يسمعها من سكان الأرض.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالكلمة مسئولية مشتركة بين المتكلم والمستمع، وتترك بصماتها على لسان المتكلم ومكونات جسده وروحه، وفي نفس الوقت تترك بصماتها على أذن المستمع ومكونات جسده وروحه، وتنتشر على لسان الكون فتسجل ببصمة قائلها في مكوناته، وتترك بصماتها على أذن الكون وعقله وقلبه وسائر مخلوقاته.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر