(77) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
في هذه الحالة، نحن أمام حالة تتلبس الإنسان في نورانيته وترابيته وهذه الحالة، تكون متبوعة بحالة جديدة يتم فيها استبدال الكون والإنسان، فيكون كلاهما جديد، الكون والإنسان وبمواصفات خاصة، تتماشى مع الوضع الجديد في الآخرة.
وقبل انهيار الكون وانتهاء حياة الإنسان على الأرض، ينزع القرآن الكريم من الصدور كما يمحي من السطور، بعد أن فقد دوره في الحفاظ على الكون وقيادة الإنسان في الحياة، مما يؤكد أن القرآن الكريم له دور محوري في تقديم دعم دائم وقائم لبقاء الكون والحفاظ على الإنسان.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص وحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “يدرُس الإسلام كما يدرس وَشْيُ الثوب حتى لا يُدْرَى: ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، فَيُسْرَى على كتاب الله تعالى في ليلة فلا يبقى منه في الأرض آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير العجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة”. أخرجه ابن ماجه في سننه.
وجاء عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن يُنزع منكم، فسئل: كيف ينزع منا، وقد أثبته الله في قلوبنا، وثبتناه في مصاحفنا؟ فقال: يسري عليه في ليلة واحدة فينزع ما في القلوب، ويذهب ما في المصاحف ويُصبح الناس منه فقراء، ثم قرأ “وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا” (الإسراء: 86)، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة وإسناده صحيح تفسير القرطبي ج10 ص 325
الاختلاف بين ماراثون الدنيا والآخرة
لكن الفرق الجوهري بين ماراثون الدنيا، الذي خلق فيه الكون وخلق فيه الإنسان دون علم من الإنسان بأعمارهما المختلفة، والذي لم يشهده الإنسان، إنما كان طارئ عليه، قال تعالى: “مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا” (الكهف: 51).
يختلف بشكل جذري عن ماراثون الآخرة، الذي ينشأ فيه الكون كامل الأوصاف، ويخرج فيه الإنسان من قبره بروحه وجسده، إنسان كامل الأوصاف، فيشهد خلق الكون الجديد وخلق نفسه أمام عينيه، بعد غياب طويل في خلقهما في أيام الدنيا.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فمع مسح القرآن الكريم من السطور ونزعه من الصدور، تبدأ الأحداث المرعبة ليوم القيامة، ويتعرَّض فيها الإنسان لإحداث جسام لا قبل له بها، والتي تنتهي بانقلاب الكون رأسًا على عقب، كما بدأ عقب على رأس، فينهار كل شيء.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد