مقالات

(78) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية

من الملاحظ أن الحياة الدنيا لغز كبير غير مفهوم، والحياة الآخرة لغز أكبر من أن تُدرك، غير مفهوم، ولكنها أكثر تعقيدًا وفهمًا عن لغز الدنيا، هذا عن الدنيا والآخرة، أمَّا عن الحياة قبل الخلق فالحياة فيها لغز أعظم، مما يعني أن الألغاز الثلاثة، قبل الخلق وفي الخلق وبعد الخلف، تلف الحياة بستارة سميكة جدًا من السرية المطلقة، بأسرار مجهولة وغير مفهومة وغير معروفة، وستظل مبهمة عن الإنسان ما بقي في الحياة حياة، وفيها تغلق كل أبواب الفكر والعقل، حتى لو بلغت منتهاها.

واذا كانت الحياة قبل الخلق مجهولة وموصودة الأبواب، فإن الحياة بعد الخلق في الآخرة مجهولة وموصودة الأبواب أيضًا، تبقى الحياة الدنيا وهي حياة مجهولة، من أولها إلى آخرها، سواء كان في خلق الكون وتسوية الأرض وجعلها صالحة للسكن ورفع السماء، وترتيب الكواكب والنجوم والمجرات، التي تشدها وتمدها بالطاقة الذاتية واللازمة لوجودها.

وإذا كان ذلك كذلك، فإن خلق آدم من تراب لغز كبير، بدأ من عالم الذر قبل خلق آدم وحواء وذرياتهم بكن فيكون، مرورًا بعالم المشاهدة وخلق آدم وحواء من تراب، ثم خلق عيسى دون أب وخلق الناس جميعًا من أب وأم إلى قيام الساعة.

تصبح قضية خلق آدم وحواء من تراب لغز كبير ومحيِّر، وسر عظيم من أسرار الله، لا يعرف عنه العلم شيء يذكر إلا من قبل التخمين والنظريات العلمية، التي أنهكت العلم والعلماء في البحث والتنقيب، ومع ذلك وبالرغم من كل ذلك لم يصلوا إلى شيء يذكر له قيمة علمية تستطيع أن تقيم عليه دليل.

لغز خلق عيسى دون أب

ثم كان لغز خلق عيسى دون أب بكلمة كن فيكون، فكان عيسي، كلمة خلق منها في لحظات، وحملته أمه وولدته في دقائق معدودات في بيت لحم بفلسطين، فكان طفل وصبي وفتى ومراهق وبالغ وشاب ورجل وكهل، فمرَّ بكل المراحل التي يمر بها أي إنسان عادي، فلم يكن إله ولم يكن ابن إله ولم يقل عن نفسه ذلك، ولم تقل أمه مريم ذلك، ومع ذلك ترتب على خلقه دون أب فتنة كبيرة، كانت سببًا في ضلال وإضلال الكثير من البشر، مع أن ذكر النحل ليس له أب، و80 % من المخلوقات لا جنسية فيها الجهاز التناسلي الذكري مع الجهاز التناسلي الأنثوي.

وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فآدم عليه السلام خلق من تراب الأرض، فتحوَّل الجماد إلى نفس بشرية لها وجود ولها كيان، تجربة نادرة لا تتكرر إلا في خلق آدم من تراب.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »