(10) قيم… رمضانية
إذا كان الله قد جعل الإنسان في الدنيا، قيمًا على أعضائه ومكونات جسده المادية والروحانية التي تحركه والتي جعلها الله مقهورة لإرادته وطوع أمره ورهن إشارته مهما فعل من جرائم ومهما ارتكب من فواحش وذنوب وآثام إلَّا أنه وبمجرد خروج روحه من جسده تخلَّت عنه كل أعضائه وأصبحت مقهورة لله سبحانه وتعالى.
فلسانه يشهد عليه ورجله تشهد عليه والجلد يشهد عليه بل وكل خلية وكل نسيج وكل عضو وكل جهاز يحمل في طياته ملفات عن حياة الإنسان بالصوت والصورة والفيديو وكل ما لا نعلمه من تسجيلات في علم الله، إنها سوف تكون أوقات عصيبة سيمر بها وعليها الإنسان عند سؤاله في آخرته ولا جواب إلَّا من خلال خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته.
وكل ما حوله من مخلوقات الله في السماء والأرض وما فيهما وما بينهما وفي الهواء والماء والغذاء كله يسجل عليه كل تصرفاته وأفعاله وحركاته وسكناته بالصوت والصورة والفيديو، حتى يفهم أنَّه مراقب من داخله ومن خارجه ومن جميع الجهات.
ومن هنا نجد أن الإنسان العاقل لا يجب أن يقف في هذا الموقف الصعب والخطير والمخزي أمام الله، كي يحاسبه على القطمير والنقير والفتيل وعليه ألا يقصر في أداء حقوق الله عليه في الدنيا، لإن الإنسان مهم عمل من أعمال خير في الدنيا، فلن يوفي حق الله، لإن الله قد أعطاه أجره مقدمًا وجزاءً مقدمًا، على خلقه ومنحه هذه الخلايا والأنسجة و الأعضاء الممثلة لجسده بلا ثمن، والروح بطبيعتها المعنوية مقدمًا بلا ثمن وسيدفع الثمن باهظًا في الآخرة، فلا يغرن الإنسان عمله في الدنيا، لأن الأجر والثواب من الله في الآخرة سيكون بفضل الله وليس بعمل الإنسان.
ومع ذلك فالإنسان مخيَّر في أن يؤمن أو لا يؤمن والإنسان المؤمن وغير المؤمن مسيَّر في أمور لا تستقيم حياته دون أن يكون مسيرًا فيها وفي باب التخيير قبل المسلم أن يختار في أن يكون مسيرًا من خلال التزامه بمنهج الله، فأصبح مسيَّرًا في باب التخيير ومسيَّر في باب التسيير وهذا معناه أنه قبل عن حرية ورضا وطيب خاطر هذا المنهج الذي يُسعده في الدنيا والآخرة إذا التزم بتعليماته .
وهذه القيمة الرمضانية العظيمة العاشرة والتي يجب علينا أن نتعلمها من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان عن الدائرة الثانية في الدنيا، فالإنسان مخيَّر في أمور ومسيَّر في أمور أخرى ودونهما لا تستقيم حياته وعليه الاختيار.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد