مقالات

(11) قيم… رمضانية

إذا كنَّا قد عرفنا قيمة التخيير والتسيير في منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة، فإن هذا يستدعي منَّا النظر بعين الفاحص المتدبر للمعنى الدفين عن مكانة وعظم هذا الشهر الكريم والتفكير في الدوافع التي جعلت له هذه المكانة العالية عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وعند عامة المسلمين وخاصتهم.

فعند الله كان القرآن الكريم كتاب هداية للبشرية جمعاء، حتى يتمكنوا من استيعاب قضايا الدنيا التي يعيشون فيها ويعملون ألف حساب لقضايا الآخرة التي سيفصل فيها الله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون وحجة على البشرية جمعاء في أن الله يحترم اختيارات عباده، ثم يبين لهم الطريق الموصول لطاعته ورضاه، وعلى كل منهم أن يختار الطريق الذي سوف يسلكه في الدنيا بحرية وسوف يحاسب فيه عن كل خياراته في أقواله وأفعاله وأعماله، فكان رحمة من الله بعباده أن يُبين لهم الطريق قبل محاسبتهم عليه، حتى يكون كل إنسان على بينة ومدرك وواعٍ لعظم المسئولية الملقاة على عاتقه.

وفي نفس الوقت نجد أن رمضان له مكانة خاصة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الشهر الذي اختاره الله فيه بشيرًا ونذيرًا ونبيًّا ورسولًا مرسل إلى البشرية كافة وإلى الثقلين الإنس والجن استكمالا لمنهج الأنبياء والرسل من قبله فهو لم يأتي ليهدم الإيمان ويعيد بناءه إنما كان لبنة في هذا البناء .

فرفع الله به من قدره وأعلى به من مكانته وأعزَّ به من شأنه وحمله هداية البشرية جمعاء ولكنه كان دائمًا يُخفف عنه حمل الدعوة، فيطمئنه ويهدئ من روعه ويخفف من ثقل الحمل عليه ويطلب منه التوجيه والإرشاد دون أن يتعب نفسه في هدايتهم، فهو مبلغ عن ربه فمن شاء منهم أن يختار الهداية فليفعل وهو في أمن وأمان من الله ومن يختار غير ذلك فلا يلومن إلَّا نفسه.

الإنسان بين التخيير والتسيير

فعلم المسلمون عامة وتعلموا أن طاعة الرسول من طاعة الله وأن الله قد جعل رسوله مشارك في صياغة المنهج، مما يؤكد أنَّه لا رسول بعده وأنه آخر الأنبياء والمرسلين ومن خلال هذا المنهج، فهموا مدى الارتباط الوثيق بين أوامر الله ونواهيه، فكانت الدنيا هي الطريق الموصل إلى الغاية بالعمل إلى الآخرة فيُثاب فيها المرء أو يعاقب على قدر عمله في الدنيا.

وهذه القيمة الرمضانية العظيمة الحادية عشرة والتي يجب علينا أن نتعلمها من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان عن الدائرة الثانية في الدنيا أنه إذا كان الإنسان مخير في أمور ومسير في أمور أخرى فإن طاعته لله ورسوله تجعله مسيرًا بمنطق التخيير، لأنه قبل مبدأ الإيمان بالرغم من أنه يمكن أن يقبل مبدأ الكفر، فكان كما أراد له الله سبحانه وتعالى بحرية واختيار منه.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق