(71) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
كل شيء خلق في الكون موجود بكن فيكون، ثم تتوالى الأسرار التي يكشف عنها النقاب تباعًا، حتى يفهم الإنسان عن الله، في حدود ما أراد الله له أن يفهم عن طبيعة خلق الكون وتكوينه، وعن طبيعة خلق الإنسان وتكوينه والمخلوقات من حوله.
فالكون يتمدد بشكل مطرد وذاتي مع تمدد الإنسان وانتشاره في الأرض ومعه سائر المخلوقات القائمة على خدمته، من خلال الطاقة الذاتية المنبعثة من داخله بشكل علمي وتقني مدروس، فتأتي إليه الطاقة من الطاقة المحبوسة داخل مواده، والناتجة من حركة الجسيمات الأولية داخل الذرات، في الجزيئات داخل المواد المكونة للكون ذاته والموجودة في نجومه وكوكبه ومجراته.
كما أن الكون يحصل على الجزء الوفير من الطاقة اللازمة للحفاظ على بنيانه من حركة الإنسان والحيوان والطيور والحشرات والنباتات والجمادات والكائنات الدقيقة، من ميكروبات وفيروسات وفطريات وطفيليات وغيرها الكثير، فتمثل له الدعم الخارجي الدائم والمستمر للطاقة بلا انقطاع.
التمدد في بنيان الكون مستمر
وهذا التمدد في بنيان الكون وسمائه والذي تحدث عنه القرآن الكريم، قائم ومستمر، وأقره العلم ووافق عليه العلماء في القرن الحادي والعشرين، مما يعني أن القرآن الكريم، تحدث عنه حديث العلم، من أكثر من ألف وأربعمائة عام من نزوله، ربط فيه بين خلق الكون والإنسان وسائر المخلوقات.
قال تعالى: “وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (الذاريات: 47- 49).
وهذا رد علمي قاطع على بعض الجهلاء من البشر، الذين يدّعون كذبًا أن القرآن الكريم، ليس كتاب علم ولا يوجد فيه أي إشارة إلى العلم، ويدورون على كل الإذاعات والصحف والمجلات والفضائيات المأجورة ويتبجحون بالكلام المنمق الكذوب، الذي يدل على قصر نظرهم وقلة فهمهم ومحدودية علمهم، ويؤكد إفكهم الذي ليس له شبيه ولا نظير.
وإذا كان الله قد شبه الفقهاء الجهال بالحمار، لأنهم لا يطبقون ما أنزل الله من التوراة، فما بالك بالجهلاء الذين لا يعرفون عن العلم لا شكله ولا رسمه، فما بالك بحقيقته وأصله وجوهره ويكذبون على الله، ويفترون على القرآن.
قال تعالى: “مثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” (الجمعة: 5).
معاناة الإنسان في حياته
وبالرغم من أن الإنسان مخيَّر في قراراته، والحمار مسيّر في خلقه وذاته، إلا أن الإنسان الذي لا يطبق كلام الله على أرض الواقع يكون مثله مثل الحمار، بل إن الحمار أفضل منزلة ومكانة منه عند الله، لأنه رضي بأن يكون مسيرًا، لكن الإنسان قبل على نفسه أن يكون مخيرًا، فذاق الأمرين في حياته وبعد مماته.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد أن منزلة البشر عند الله، الذين يتلاعبون بكلام الله، في التوراة والإنجيل والقرآن، والذين لا يطبقوا ما جاء من أحكام واجبة النفاذ، مثل الحمار الذي ليس له عقل يميز، ففقد الإنسان عقله حتى ولو كان من العلماء.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد