مقالات

الصحة كنز “6”

هذا في مجال وفرة الغذاء أمَّا في مجال قلته فهو لا يقتصر على قلة الغذاء فقط وعلى عدم كفاية الإنسان من أدنى متطلبات الحياة، بل أن الأمر يتطور إلى أبعد من هذا وهو كيف يمكن الحفاظ على صحة الإنسان في غياب جودة الغذاء وعدم توفير الحد الأدنى منه.

المرض يُطارد الناس الفقراء والجوعى في كل الأوقات، لأنَّ قلة الغذاء وعدم جودته، يفتح باب من أبواب الجحيم على كيان الإنسان، فيتم تدميره صحيًّا، بفعل الأنيميا الحادة والمزمنة والضعف العام، وبفعل انهيار الجهاز المناعي الحامي الوحيد والمحافظ على الإنسان وحياته، فيصبح مرتع لكل الأمراض.

وتدمير صحة الإنسان تعني فقدانه لكيانه وعدم قدرته على رعاية نفسه وحماية حياته، فيصبح عالة على أسرته وعلى المجتمع من حوله في غياب التكافل، لأنَّ معظم أبناء المجتمع أصبحوا مرضى وفقراء ومعوزين، فلا يتمكن أحدهم من إعانة الآخر ورعايته والاهتمام بحاله ومتطلبات حياته.

تكاثر الأمراض يُدمِّر صحة الإنسان

وهذا يؤدي إلى تكاثر الأمراض والأزمات في المجتمع وزيادة الأعباء على خزينة البلاد، ليس فقط في السعي إلى كفاية الناس في الغذاء وتوفير أدنى متطلبات الحياة وإنَّما أيضًا، يصبح المرض عبئًا مضاعفًا على ميزانية الدولة، يحتاج معها إلى تغطية نفقاته الباهظة في توفير الدواء وتقديم العلاج في غياب الضمير وحضور المحسوبية والرشوة في كل الأحوال.

وبدلًا من أن ترصد هذه الأموال لتوفير الخدمات للمواطنين والعمل على تطويرها والإنفاق على آليات البحث العلمي من أجل التطوير والإبداع، تجد يد الدولة مغلولة في الإنفاق على دعم وتطوير البلاد إلى دعم لا طائل منه في العلاج وتوفير الدواء للمرضى، ولا يرجي من وراءه خير للبلاد، سوى المزيد من الإنفاق، والمزيد من العجز في ميزانية البلاد في دائرة مغلقة لا نهاية لها ومتصلة الحلقات.

وهذا كله يعود بالدرجة الأولى إلى الفشل في توفير طعام صحي متوازن لكل الناس الفقير والغني على حد سواء.

وهذا يعني أن الفشل العارم للمؤسسات في حل مشكلة الغذاء تؤدي إلى ظهور مشاكل صغيرة ومتوسطة وكبيرة فتتراكم كالجبال الرواسي بعد غياب الحلول الحقيقية لهذه المشاكل في غياب المسئول الذي يداري الأعراض بالمسكنات، مع استمرار المرض العضال بعد غياب الجدية في معالجة الأسباب وتوقيع الجزاء والحساب.

نتائج زيادة السكان ونقص الأرض الزراعية

ومع زيادة السكان ونقص الأرض الزراعية وطعام الناس مع عدم زيادة المساحات الزراعية، يؤدي هذا إلى فتح مجال الاستيراد على مصراعيه في غياب آلية زيادة الرقعة الزراعية في جميع الاتجاهات وفي غياب التنمية الذاتية للموجود والقائم بالفعل مع إهمال زراعة المزيد من الأرض الزراعية.

ومع زيادة السكان، لم يتمكن أحد من استخدام طاقة الأفراد في الزراعة، كما حدث في الهند والصين وفي بلدان العالم المختلفة فانكشف أمر المسئول عن الزراعة وتعرَّت سوأته، فلم يجد ورقة التوت التي يستر بها عورته ولم يعد يستطيع اخفاء الحقائق عن الناس بعد أن تحوَّلت إلى واقع ومعاناة يومية، تشعر الجميع أنه لم يكن أحد يعمل لمصلحة الناس.

فإذا بالمشاكل تتفاقم في كل اتجاه وفي طول وعرض البلاد وكلما هم بمداراة مشكلة ظهرت عوارضها بمئات الإشكالات، حتى أصبحنا نرى أن كل الإنجازات أصبحت مستهلكات ولا تتعدى بناء كبري أو نفق قابل للانهيار وتصبح وكأنها فص ملح وداب بعد انعدام المسئولية عن الصغار والكبار.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »