مقالات

(63) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية

معنى هذا أن كل شيء في الكون له ذاتية يعبر بها عن نفسه، في الحزن والألم والبكاء وفي السعادة والسرور والهناء في كل مكونات الأرض والسماء خارج إطار الزمكان الذي يعرفه الإنسان ويعيه بقلبه وعاطفته ويفهمه بعقله.

فالذين تركوا الدنيا وانتقلوا إلى الآخرة، وعاشوا على الأرض ردحًا من الزمان بالحق أو بالباطل أو خلطوا عمل سيئًا بآخر صالحًا، فلم يتركوا فيها أثر لأي عمل صالح نقي لهم  ينفعهم يوم العرض على الرحمن، فيكون رد الأرض عليهم، والتي أعطتهم كل أسباب استبقاء حياتهم عليها وحمتهم من كل المخاطر بالتنكر لوجودهم، وكأنهم لم يعيشوا عليها، فلا تعبأ بهم ولا بعيشهم عليها، ولا تهتم بهم ولا بمسيرة حياتهم أو بوجودهم، لأنها تعتبرهم كم مهمل بالنسبة لها، بعد أن تنكروا لخالقهم وكفروا بنعمة رازقهم ومضوا في البحث عن أهوائهم وشهواتهم وملذاتهم، كما فعل المترفين من أمثالهم السابقين في الأمم الخالية.

ولا وجود لهؤلاء المترفين، ولا أثر لهم في السماء، بعد أن غاب عملهم الصالح، ولم يصعد عملهم الرديء قيد أنمله، لأنه مردود عليهم بعد نشرهم الظلم في كل صعيد، وحماية الظالمين، الذين تبوأوا المواقع القيادية، ونبذ المظلومين بالكلية، حتى أصبح الظالمين قادة المجتمعات ويُشار إليهم بالبنان، مع أنهم قطَّاع طرق ومجموعة من اللصوص والحرامية، بعد قلب الأوضاع رأسًا على عقب، فكانت كل أعمالهم غثاءً وهباءً منثورًا لا وزن له ولا قيمة.

الكون فيه روح وحياة

فالكون فيه روح وفيه حياة، ويحمل في طياته كل أدوات الرقابة الذاتية الإلهية، التي خلقها الله في أركانه وفي كواكبه ونجومه ومجراته، وإلا ما حافظ على حياة الإنسان ووجوده، ولا تحققت فيه مصالحه، عبر انتقال الكلمة والصوت والصورة حول العالم، وفي أركان الأرض الأربعة وفي الفضاء، مثله مثل الإنسان في مكونات خلاياه وأنسجته وأعضاءه.

والكون قائم بأمر الله، فلا عجب أن ينبذ الكافر ويتبرَّأ من أفعاله كما تنبذه خلاياه وأنسجته وأعضاءه، ويلفظ الملحد ويحط من أقواله كما تحط خلاياه وأنسجته وأعضاءه من سوء تصرفاته،  ويمقت المشرك ويخفي آثاره في كل مكوناته ويحتقر المنافق، فيعلق وجوده في الحياة وكأنه غير موجود فيها، فتغلق في وجوههم أبواب السماء وتلعنهم ملائكتها، بدلًا من بكائها عليهم، كما تفعل مع الصالحين.

ولا وجود لهم ولا وجود لأعمال الخير التي يدعون القيام بها ولا أثر لهم، سوى الذنوب والمعاصي، بعد أن ظلموا أنفسهم، بكفرهم وإلحادهم وشركهم ونفاقهم، فتلعنهم الأرض وملائكتها وساكنيها، كما لعنتهم السماء، فلم يعبدوا الله فيها ولم يقدروا نعمه حق قدرها، حتى تبكي على فقدانهم، فلهذا استحقوا اللعن والطرد من رحمة الله ومخلوقاته في السماء والأرض وفي ذوات أنفسهم، ومن حولهم من سائر المخلوقات.

قال تعالى: “ولَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ” (الزمر: 47).

وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يطال الكافر والملحد والمشرك والمنافق في الدنيا، ويؤكد أن هؤلاء العتاة المجرمين، تطارهم اللعنات من كل المخلوقات في الأرض وفي السماء، في حياتهم وبعد مماتهم، فلا مكان لهم عند خالقهم ورازقهم، الذين أكلوا خيره ومنعوا شكره،  فتحولوا إلى عتاة مجرمين فلا يقبل منهم صرفًا ولا نصرًا.

فكان الإنسان ولا زال مخيرًا، وكان الكون ولا زال مسيرًا، ولكن نجح الكون في اختياره أن يكون مسيرًا، بينما رسب الإنسان في قراره أن يكون مخيرًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »