الكون والإنسان
إن تجدد الكون بشكل ذاتي وتلقائي، وتمدده الدائم على امتداد الزمان الذي يعيشه، والمكان الذي يشغله.
من خلال ذرة الهيدروجين التي تحمل في نواتها طبيعة ومواصفات الخلية الجذعية الأولية، التي خلق منها الكون والإنسان والممتلئة عن آخرها ببرنامج البعث والفناء.
الذي يحكم إلىة العلاقة القوية والقدرية، بين الحياة في الحياة، والعلاقة القوية والقدرية بين الحياة ونهايتها بالموت في الموت.
ويبقي التفرد حسب معلوماتنا، من التصور والاستنباط، على برنامج الفناء المطمور فيه برنامج البعث.
الذي يشبه إلى حد كبير التوازن الموجود في عمل كل من برنامج البعث في الخلايا الجذعية، وبرنامج الفناء في موت الخلايا المبرمج في الإنسان والكون، للحفاظ على حيوية كل منهما في مكوناته وشبابه .
ووجود برنامج البعث والفناء، في مكامن الذرة، في تكامل وتناسق أو مواجهة ومجابهة، أو حتى في تغلب أحدهما على الآخر.
فيمن يبدأ الحياة بالبعث ومن ينهي الحياة بالفناء، في متوالية عددية من خلال برنامج مطمور داخل الذرة، دليل على أن وحدة الخلق في الكون والحياة، فيها تأكيد وحدة الخالق سبحانه وتعالى.
مصداقًا لقوله تعالى: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” (فصلت/ 53).
ونثر برنامج البعث والفناء، بشكل مدهش ودورانه، في آفاق الكون وطياته، وفي خلق الإنسان ومراحل عمره المختلفة.
ومن سمي التحكم في وجوده، دون إدراك مغزاة، أو محاولة السيطرة عليه، يؤكد حقيقة ضعف الإنسان ووهنه وقلة حيلته وقلة علمه وخبرته.
فلا يستطيع التمكن من السيطرة على جزء ولو ضئيل من برنامج البعث والفناء المادي، الذي قامت عليه حياة الإنسان والكون.
ويدور فيه وحوله مصير الكون، ومصير الإنسان ووجوده في البداية والنهاية وفي سائر أحواله، فما بالك ببرنامج البعث والفناء النوراني؟
فغموض خلق الكون، وغموض خلق الإنسان، ومحاولة فك طلاسمهما وأسرارهما، يعتمد بالدرجة الأولى على طلاقة القدرة الناتجة، من هيمنة برنامج البعث والفناء المادي.
والذي يتحكم في كل شئ فيه حياة، في مسيرة الكون ومسيرة الإنسان في الحياة، وهذا في حد ذاته دليل قاطع على عجز الإنسان في علمه، وعدم قدرته على استنباط حقائق الكون الماثلة أمام عينيه في كل أقضية حياته، في غياب المعرفة الكاملة والتامة عن برنامج البعث والفناء النوراني، والمرتبط بالروح ارتباطًا وثيقًا.
مصداقًا لقوله تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” (الإسراء/ 85).
وهذا البرنامج القائم، على قدم وساق، هو جند من جنود الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يملك السر المكنون الذي وراءه خلق الله سبحانه وتعالى، السموات والأرض.
فيبعث الحياة في سائر الكائنات الحية، إذا كانت اليد الطولي لبرنامج البعث، في وجود تحجيم لبرنامج الفناء، وتحديد وظيفته في بناء وصيانة الكون والإنسان بشكل ذاتي ومقنن.
بحيث لا يستطيع كل منهما الخروج عن السيطرة، أما إذا عطل برنامج البعث ونشط برنامج الفناء، فإنه يؤدي إلى نهاية الكون والحياة.
مصداقًا لقوله تعالى: “قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا” (الفرقان/ 6).
أمَّا سر خلق الأكوان الآخرى، والتي لم يتحدث عنها أحد من العلماء بشكل جدي، ولم يتطرق إليها أحد بشكل علمي موثق.
لمعرفة مكانها من حيث الحيز الذي تشغله، والزمان الذي وجدت فيه، ولا مكانتها ولا مكينها في المبني والمعني.
فإن هذا معناه ضآلة حجم الكون الذي نعيش فيه، والمخلوق من ذرة واحدة من الهيدروجين التي تمثل أصغر ذرة في الكون.
فما بالك بالبذرات والجزيئات، الموجودة في الكون، وفي الماء بحجمه وسعت وجوده تحت عرش الرحمن.
وإن كنت أعتقد، أن كل شئ في هذا الكون، على مستوى كل ذرة في كيانه، يُمثل كونًا قائمًا بذاته مثل كوننا هذا الذي خلق من ذرة الهيدروجين.
فكيف يمكن تصور عمل خلية واحدة من جسم الإنسان، لا يتعدي حجمها 50 ميكروميتر، تحتوي على مئة ترليون ذرة.
وكل ذرة فيها تمثل كون قائم بذاته، بسمواته السبع وأر اضيه السبع، وكل كون له قصة حياة، وكل كون له بداية وله نهاية، داخل الذرة الواحدة.
مصداقًا لقوله تعالى: “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام/ 38).
وهذا فيه إعجاز مبهر فالخلية البشرية الواحدة فيها مائة ترليون ذرة، كل ذرة تمثل كون بذاته، مثل ذرة الهيدروجين التي خلق منها الكون.
فكيف يكون سعة التسجيل لكل أعمال الإنسان بالصوت والصورة والفيديو، ومدى القدرة على تخزين كل هذه المعلومات داخل الخلية الواحدة، فما بالك بباقي خلايا الجسم المختلفة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
4 تعليقات