مقالات

 (5) الإسراء والمعراج… معجزة إلهية

إذا كان القرآن الكريم محادثة بين الله ورسوله عبَّر عنها بالأحرف والكلمات والآيات في رحلة جبريل عليه السلام من الملأ الأعلى إلى الأرض ولقاءه بمحمد صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاثة وعشرون سنة تم خلالها نقل القرآن الكريم لفظًا ومعنى من الملأ الأعلى إلى الأرض لهداية البشرية وأخذها إلى بر الأمان.

فإن رحلة الإسراء والمعراج ارتقت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير فكانت لقاء موثق بين الله سبحانه وتعالى ومحمد صلى الله عليه وسلم في وجود جبريل عليه السلام، فكانت بمثابة رحلة هائلة من الارتقاءات التي ارتقى إليها الرسول صلى الله عليه وسلم من مستوى لقاء جبريل عليه السلام إلى مستوى لقاء الله سبحانه وتعالى، وهذا مستوى عالٍ من التكريم والمنزلة العليا التي لم ينلها رسول مرسل ولا ملك مقرب.

فكان الاستدعاء من قبل رب الأرض والسماء للقرب منه ومقابلة الله سبحانه وتعالى، فتحوَّلت الأحرف والكلمات والآيات في القرآن الكريم من مجرد كلمات تُقرأ وترتل إلى لقاء في الملأ الأعلى كي يرى بجسده وروحه المليئة بها نفسه أنوار الله سبحانه وتعالى في مخلوقات الملأ الأعلى.

 كما رآها في أحرف وكلمات وآيات القرآن الكريم ولكنه رأى الحقيقة بعينيه واطلع عليها بنفسه في جسده وروحه وعرفها علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين فرأى أنوار الله سبحانه وتعالى ذا الجلال والإكرام في المكان الذي نزل منه القرآن الكريم وينبعث منه النور الحقيقي والدائم لا النور المؤقت الذي يتجلى به على عباده في السماوات والأرض والذي لا يمكن أن يستوعبه بشر.

كما قال الله سبحانه وتعالى: “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليمٌ” (النور: 35).

وهذا معناه أن محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج قد ارتقى ثلاث ارتقاءات، ومن أجلها جهز في ليلتها وقبل سفره بلحظات بشق صدره الشريف قبل قيامه بالرحلة مباشرة، فكان أول ارتقاء في الرحلة الأرضية الإسراء، فكات رؤيته لجبريل عليه السلام على حقيقته وهيئته التي خلقها عليه الله سبحانه وتعالى وله ستمائة جناح وكان ثاني ارتقاء في المعراج وكلامه مع سكان الملأ الأعلى، دون واسطة من جبريل عليه السلام وكان ثالث هذه الارتقاءات تقدمه على جبريل عليه السلام بعد سدرة المنتهى ولقاءه الله سبحانه وتعالى ورؤيته ورؤية آيات ربه الكبرى حق اليقين.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق