مقالات

(66) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية

كما تسجل الكلمة الطيبة في مساراتها المختلفة في الحياة، يتم تسجيل الكلمة الخبيثة ومساراتها المختلفة في الحياة، وكله عائد في نهاية المطاف إلى صاحب الكلمة الطيبة، وصاحب الكلمة الخبيثة، التي تسجل على صاحبها كل ما يدور في نفسه ويخفيه بلسانه فلا يتحدث به، من قبل الخبث واللؤم والانتهازية وغيرها.

قال تعالى: “وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ” (إبراهيم: 26).

فالكلمة سيف مسلَّط على رقاب البشر، يحصيها عليهم رب البشر في كل شأن من شئون الحياة، وهذا معناه أن الأبكم الذي لا يتكلم محظوظ، والأصم الذي لا يسمع محظوظ والأعمي الذي لا يرى محظوظ، لأن كل شيء ينطق به اللسان وتسمعه الآذان وتراه العين ويحسه الجلد ويشمه الأنف ويتذوقه اللسان، مراقب من قبل رقابة إلهية مشددة لا يغيب عنها مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.

لذلك كان الهدف من وجود الإنسان في الأرض، أن يكون لسانه وسمعه وبصره، مؤتمر بأوامر ربه، فلا يعصاه بهذه الحواس، التي تمثل نعمة عظيمة وهبها الله للبشر كي يشكروه عليها ولا يعصوه بها، فتصبح أدوات قائمة على مصلحتهم، مطيعة لربهم.

أهمية الحفاظ على اللسان

لذلك كان التوجيه النبوي، بالإشارة إلى أهمية الحفاظ على اللسان المتصل بالكلمة، والمتعلق فيه بالنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، إذا أمسكه الإنسان عن الشر، ومنعه من قول الكلمة الخبيثة.

عن عقبة بن عامر، قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما النَّجاةُ؟ قال “أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئتِكَ” رواه الترمذي.

وهذا معناه أن اللسان وما ينطق به من الكلام، هو آفة الإنسان المرضية، وهو مرض مزمن وعضال يصيب الصغار والكبار وينتقل بين المسئولين، كثيري اللغو وكثيري الكلام، الذين مردوا على النفاق كالنار في الهشيم، فيه ينحرف الجميع عن الحق، وبه يحرق الجميع في الدنيا والآخرة.

فكيف يغيب عنه سبحانه وتعالى، الكلمة من على طرف اللسان، أو تغيير أحرفها التي تعبر عنها، إذا كان لا تغيب عنه سبحانه مثقال ذرة، فهو الذي خلق الذرة ومكوناتها وفراغها وطاقتها المحبوسة داخلها، والتي تؤكد وجود الله سبحانه وتعالى، وتقضي على فكر الكافر والملحد والمشرك والمنافق، قال تعالى: “.. مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام: 38).

وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد وجود الرقابة الذاتية الدائمة والممتدة مع الإنسان إلى الآخرة، فلا يفلت اللص والحرامي ولا المجرم والخائن، الذين أكلوا أموال الفقراء والمساكين واليتامي والأرامل دون رادع أو زاجر في الدنيا، من العقاب الإلهي أمام سائر المخلوقات، بلا ساتر يغطيهم أو قانون يحميهم  في الآخرة، بعد أن طوع كل القوانين التي تحميه مع العصابة، من أجل الإفلات من العقاب والمحاسبة على جرائمهم في الدنيا الفانية.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق