(54) قيم… رمضانية
القرآن الكريم قد أوضح لنا مصير الأفراد الذين يكنزون الأموال ولا ينفقونها من أجل حل مشاكل المجتمع بسوء الخاتمة والتنكيل والعذاب الشديد مع علمهم أنهم سوف يتركون كل هذه الأموال التي جمعوها من حلال أو حرام بعد مغادرتهم للدنيا على الميعاد الذي قدره الله سبحانه وتعالى لهم، مصداقًا لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ” (التوبة: 34- 35).
لماذا يقوم بعض الناس بجمع المليارات والبعض الآخر لا يجد رغيف الخبز الحاف؟، وهل هذا يؤثر بالقول والفعل والواقع على تدوير عجلة الاقتصاد؟.. بل وكيف يمكن أن يكون هناك قتصاد؟ أو حتى عجلة تديره في غياب الأموال، التي تم نهبها وسرقتها ووضعها في حسابات وهي في الأصل ملك للشعب وليس ملك لبضعة أشخاص وهذه مفارقة غريبة في أن يسعى البعض إلى جمع المليارات من الأموال ووضعها في البنوك من حلال أو حرام في وجود الشبهات والكثير من علامات الاستفهام على جمع وكنز كل هذه الأموال.
مصير الأفراد الذين يكنزون الأموال
فالأموال التي تجمع بالمليارات لا بد أن يكون في جمعها شبهة من المال الحرام، بل وتدخل في نطاق السرقة والخداع والاحتيال، وأكل أموال الناس بالباطل وتحويلها إلى الحسابات الشخصية بشكل آلي وفعال كي يجوب بها البلاد والمنتجعات ويسرح ويمرح على طول وعرض العالم ثم يعود كما ذهب بلا زيادة أو نقصان، فهو قد غير جوه على حساب غيره، دون وعي من ضمير أو إنسانية سوى البحث عن الرفاهية والتمتع بما لذ وطاب.
وهي مفارقة غريبة وغير عادلة في أن يترك الحبل على الغارب لأصحاب المطامع الدنيوية، في سحب أموال الدولة على المكشوف في غياب الوعي وتغييب الضمير ودون النظر إلى العواقب المترتبة على كل هذه الأنانية وذلك الجشع لأناس خلعوا من إنسانيتهم ودون النظر بعين الاعتبار إلى الآثار الخطرة التي سوف يتعرَّض لها الاقتصاد.
ودون الأخذ في الاعتبار وعلى محمل الجد حق الآخرين في تحصيل أجور عادلة تسد جوع بطونهم وترفع عنهم الحرج في المطالبة بحقهم في العيش بعزة وكرامة في بلادهم دون الشعور بالذل والمهانة في البحث عن حقوقهم الضائعة وحقوق الآخرين.
وهذه القيمة الرمضانية العظيمة الرابعة والخمسون والتي يجب علينا أن نتعلمها من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان في الدائرة الثانية في الدنيا، بأن كنز الأموال وجمع المليارات سيكون مصير جامعيه إلى الهلاك في الدنيا والآخرة في وجود رقابة ذاتية داخل الإنسان على تسجيل كل هذه السرقات من أموال الشعوب.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر