مقالات

(56) قيم… رمضانية

فرق شاسع إذًا بين أن يكون جامعي المليارات من أتباع النظام أو من أتباع الشعوب، لأنَّ النظام لن يُعطي لأحد الحق في سرقة ونهب البلاد إلَّا إذا أقسم له بيمين الولاء في أن يكون خادمًا مطيعًا لأهواء وأغراض النظام بالحق والحقيقة وعلى أرض الواقع ومستعد للتضحية بكل غالٍ وثمين – إن كان كذلك – في سبيل الحفاظ على ولي نعمته ورب فضله وخيره عليه إلى آخر رمق من حياته.

فكيف يعصي أوامر أسياده؟ أو يقف في طريق طموحاتهم وبقائهم في السلطة وتزوير الانتخابات وهم الذين حوَّلوه من صعلوك حافي فقير وجعان إلى رجل أعمال يملك المليارات وله شنَّة ورنَّة في كل الصفقات ويعقد اللقاءات التي تصب في جيبه في آخر النهار الملايين والمليارات ثم يتحدثون حديث فظ فيه غلظة وحقد وكراهية على محدودي الدخل بعد كل الذي فات.

وكيف يكون هناك اقتصاد حقيقي إذا تم بيع القطاع العام برخص التراب وتسليمه لرجال أعمال النظام، فالقطاع العام يُمثل الشعب وكان يحتاج إلى الحماية والبقاء والقطاع الخاص يمثل فئة محدودة لا تعد على الأصابع فكيف يحل القطاع الخاص محل القطاع العام إلا إذا كان هناك خيانة وعمالة للأعداء.

فرق شاسع بين جمع المال بالحلال والحرام

أما رجل المليارات من عامة الناس، فلا وجود له على مسرح الأحداث وإذا وجد في غفلة من الزمان لوحق وطورد من قبل النظام في كل مكان وألصقت به كل الاتهامات وكل الجرائم التي يعف عن ذكرها اللسان، لأن المسموح له هو فقط في أن يجد رغيف الخبز الحاف الذي يدور عليه ويبحث عنه ويدوخ عليه السبع دوخات لأنَّه ممنوع وغير مسموح به في أن يخرج رجل شريف ونزيه من أبناء الشعب يملك المليارات.

 فكيف يكون هناك اقتصاد حقيقي وعجلة تدوره إلا في وجود رجال أشداء على الباطل وأقوياء في الحق لا يخافون في الله لومة لائم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، يبحثون عن سبل الخير لشعوبهم، فيسلكوها معهم مهما كانت التحديات والعوائق والتضحيات، فيبذلون أوقاتهم وأعمارهم ويقدمون كل غالٍ ورخيص من أجل سيادة وحرية شعوبهم واستقلال أوطانهم، كي ينعم الناس بالخير الوفير والرفاهية بلا تقطير ولا تبذير.

فهم بحق وحقيقي أعلام الأمة الذين يفضلون مصالح الناس على مصالحهم الشخصية ويأخذون بعد أن يشبع الناس ويتقدَّمون إلى الأمام عند تقديم الخدمات والمهمات ويتخلفون إلى الخلف عند توزيع الخيرات، فقد فقهوا معنى الحياة وعلموا أن الجميع مؤقت فلا داعي لكنز الأموال ولا داعي للجري وراء النزوات والشهوات فالكل إلى تراب، حين تحين ساعة الفراق وترك الدنيا بمالها القليل ومتاعها الفاني طلبًا للبقاء الرباني بجوار الباقي الله سبحانه وتعالى.

وهذه القيمة الرمضانية العظيمة السادسة والخمسون والتي يجب علينا أن نتعلمها من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان في الدائرة الثانية في الدنيا، بأن مفتاح الفرج في يد الإسلام ومفتاح الضيق والكربات في أيدي الكانزين للأموال وتؤكد أهمية عدم كنز الأموال لتدوير عجلة الاقتصاد من أجل حل مشاكل البلاد والعباد.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق