مقالات

(60) إشراقات… رمضانية

نجد أن الفهم الحقيقي للإسلام لا يكون صحيحًا إلا إذا انبثق بشكل منهجي من المصدر الأول للإسلام الذي يعتمد على منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة.. ومن هنا كان لزامًا على المسلم الذي يفهم إسلامه بشكل صحيح وواضح لا لبس فيه ولا غموض، ويعرفه حق المعرفة ألا يستقي معرفته بإسلامه ولا يأخذه إلا من خلال هذا المصدر.

وإذا كان الله قد اختار رسوله، لتبليغ رسالته إلى العالمين باعتباره خاتم الأنبياء والمرسلين فلا يحق لأحد من المسلمين إمامًا كان أو مأمومًا، عالمًا كان أم من عامة الناس ألَّا أن يسير إلَّا على منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة إذا أراد أن يسلك الطريق الصحيح الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده.

وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد اختاره ربه، لتبليغ رسالته الخاتمة إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، فختم به رسالة الأنبياء والمرسلين، وأكمل به المنهج الذي جاءوا به من قبل في وحدة واحدة وفي سلسلسة متصلة الحلقات من آدم عليه الصلاة والسلام، فلا يكون لإنسان حجة عند الله بعد أن أبلغه بالطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكه في حياته.

وبعد أن أنبأه بمصيره بعد مماته، فلا تنسيه الدنيا بزينتها وزخارفها المؤقتة وهمومها ومشاكلها، عن متاع الآخرة ولا تنسيه الآخرة بمراحلها المختلفة التي سوف يذهب إليها الإنسان بعد مماته عن متاع الدنيا المعبر الوحيد إلى النجاة من الآخرة، فكلاهما يكمل بعضه البعض الآخر، وكلاهما مربوط ببعضهما البعض برباط وثيق كالروح والجسد.

الفهم الحقيقي للإسلام

وإذا كانت دعوة الإسلام في مجملها، تعتمد في جوهرها على صاحب الدعوة التي بلغها للناس محمد صلى الله عليه وسلم، فهو يُعتبر الأصل والجوهر في هذه الدعوة وغيره الاستثناء، فلا يحق لأحد من أتباعه أن ينازعه إياها أو يتساوى به أو يحل محله، سواء أكان هذا الأحد من أتباعه أو من غيرهم.

كما لا يحق لأحد أن يدَّعي أن له دعوة وأنَّه أتى ليُكمل الإسلام، الذي كمل وتمَّ على يد صاحب الدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الأصل وغيره الفرع والهامش، فلا يمكن بأي حال من الأحوال ترك الأصل والجوهر ثم البناء الهش على الفرع والهامش والذي سرعان ما ينهار بعد أن فقد مصدره الذي يعتمد عليه وصدقه ومصداقيته، الذي يأخذ منه كل علوم الإسلام وقيمه ومبادئه وأخلاقه وسلوكه.

ومن هذا المنطلق نجد أنَّه لا غنى مطلقًا عن منهج القرآن الكريم الذي كرَّم الإنسان وشرَّفه على سائر خلقه وجعل له مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى وضمن له حياة آمنة مطمئنة، خالية من كل الأمراض التي أصابت الأمم السابقة التي أخذها الله أخذ عزيز مقتدر، فلا أمل ولا منجى من الله إلا إليه، هكذا كانت تعاليم الإسلام في مجملها قلبًا وقالبًا لا يحيد عنها إلا جاحد أو هالك.

فالقرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان ولا يدفع بالإنسان إلى التفكير في خلق الكون والحياة، بالدعوة إلى الحفاظ على الضرورات الخمسة المادية في الهواء والماء والغذاء والعلم والعمل والتي تعتبر أدوات التقدم والتطور في كل مجال فقط؛ وإنَّما يدعو أيضًا إلى الحفاظ على الضرورات الخمسة الداعمة لسابقتها في الدين والنفس والنسل والمال والعقل.

وإذا كان عقل الإنسان محدود وفهمه محدود وسمعه محدود وبصره محدود، فإنَّ فهمه للكون والحياة وإدراكه للنص القرآني محدود، ولذلك يمكن فهم النص القرآني من خلال فهم الكون والحياة ومصالح الإنسان في الدنيا بالعقل الذي يفهمه في إطار منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وليس خارج عنهما.

وهذا فيه إعجاز هائل، فإذا كان القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، فإن معانيه النورانية، ترتقي بروح الإنسان النوراني، فتخلصه من شهواته الأرضية، فلا تمكن الشيطان منه أو تجعله يستحوذ عليه فيرتقي إلى منزلة أعلى من منزلة الملائكة المقربين، بالرغم من إنسانيته إلَّا أن التحكم في شهوته والانطلاق بها إلى مستوى النورانية، تجهزه لنور الآخرة حيث سيعيش مع نور الله سبحانه وتعالى.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق