مقالات

(5) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية

إذا كانت الدائرة الأولى قبل الخلق السبب في خلق الإنسان ووجوده والحفاظ على حياته، إلا إن الدائرة الثالثة في الآخرة، أعدت من أجل حسابه على ما قدم في حياته الدنيا وعن مدى الالتزام بأوامر الله ونواهيه ووجود الآخرة دليل على أن العدل الإلهي سينصب لأبناء آدم والموازين، كي يحاسبهم على ما صنعوه في الدنيا، وهذا قمة العدل الإلهي وحتى تنتصر العدالة للمظلومين على الظالمين وتعيد حقوق المسروقين من السارقين وتحاسب كل من اعتدى على المال والأعراض والأنفس وغيرها من الانتهاكات، فلا يفلت أحد من العقاب، لأن شهود الإثبات على الإنسان هو نفسه في المقام الأول والأخير.

فتبدأ الآخرة وطقوسها بعد نهاية حياة الخلق في الدنيا والدار الآخرة، غيب عنا مثل الدائرة الأولى وفيها الله ومخلوقاته وعلمنا عن هذه الدائرة عدم، مثل الدائرة الأولى إلا بقدر ما علمنا الله عنها وما علمه الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله، وقد تم تسجيلها بشكل واضح وصريح في العديد من آيات القرآن الكريم وفي منهج النبوة، قال تعالى: “وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” (العنكبوت: 64).

خلق الإنسان بيد الله تعالى

ومن هذا المنطلق يمكن تحديد محتوى هذه الدائرة وفيها الله وكماله وكما يليق بكماله وفيها وصفاته وأسماءه وكلماته وملائكته وكل المخلوقات في هذه الدائرة غيب مطلق عن الإنسان، لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ورسله.

وفي هذه الدائرة ينتقل الإنسان بعد موته من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية، فيدفن في حفرة في باطن الأرض مثل حفرة الرحم في بطن الأم مع الاختلاف في المعيار بين الحفرتين ثم البرزخ والنفخ في الصور ثم القيامة ثم الصراط ثم الثواب والعقاب ثم الجنة والنار، وتنتهي برؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة والعيش مع نور الله وفي كنف الرحمن الرحيم القوي العزيز الحكيم الغفار، بلا نهاية للزمان والمكان.

وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد مدى انضباط الكون في القيام بواجباته في خدمة آدم وأبناءه، لأنه مسخر بأمر الله، كما يؤكد حقيقة مفادها أن الحياة الدنيا مؤقتة بعمر كل واحد من البشر فيها، ويؤكد التزام الله سبحانه وتعالى بمعاقبة المخالفين من البشر، فيقتص من الظالمين ويعيد للمظلومين حقوقهم المهضومة في الدنيا في وجود ميزان للعدل الإلهي، المطلع على كل شيء وعلى مرأى ومسمع من سائر المخلوقات التي عاشت في الدنيا بما فيها الإنسان.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق