(30) مصر… في الحج
المال ضرورة من ضروريات الحياة به يحقق الإنسان مصالحه ويحل به مشاكله، وهو في هذه الحالة بلسم لأصحابه، لكن أن يتحول إلى الخزائن فيتم كنزه، وجمعه من حلاله وحرامه، يصبح كارثة كبرى على الأفراد والجماعات والأمم والمجتمعات.
لأنه في نهاية المطاف ينقلب جمع المال إلى مرض مزمن وعضال، تباع فيه الأوطان وتختفي فيه قيم الدين ويصاب جامعيه بكل الأمراض الصحية والاجتماعية، فينحصر الدين في الدينار وينحصر الوطن في الدولار، بالرغم من تزويق الكلام وغطاءه بالمكياج، فلا عزاء لوجود الوطن ولا مكان لوجود الدين، بعد أن أصبح يعاير بالدولار والدنانير في غياب الذي يثور.
فيتم وضع المال بعناية، في يد فئة قليلة من الأغنياء، تمتلئ بها حسابتهم الجارية والادخارية خارج البلاد على حساب الفقراء، فيختار هؤلاء الأغنياء الأنظمة ويعينوا الحكومات، فتدخلها في دائرة من الفساد والإفساد، فبدلًا من أن تصبح المنظومة في صالح الشعوب، تتحول إلى أنظمة مؤسسية قائمة على فساد الأغنياء، فيشيع الفقر في جنبات المجتمعات، ليس من قله في وجود المال ولكن من كثرة السرقات ومن النهب المنظم التي تديره المؤسسات، فتنهار المجتمعات.
تحذير من بيع الدين بالدنيا
ومن ثمَّ كان التحذير من الله شديد اللهجة إلى علماء السوء الذين باعوا الدين بعرض الدنيا ومعهم تجار الأوطان، فكنزوا الأموال وسرقوا الفقراء، مع أن المال مالهم في غياب الثواب والعقاب، فبشرهم بعذاب أليم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” (المائدة: 34).
وقد أكد ذلك الرسول، فعن شداد ابن أوس قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول “إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك وأسألك قلبًا سليمًا وأسألك لسانًا صادقًا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب” رواه الإمام أحمد.
وكل هذا عائد إلى الأحبار والرهبان وزعم اليهود، أنهم أغنى من الله لما يملكون من مال، من آلاف السنين أيام قارون، فتطاولوا على ذات الله سبحانه وتعالى، الذي خلقهم ومنحهم الصحة، وخلق لهم الكون ومنحهم كل هذا الرزق الوفير، ومع ذلك قتلوا أنبياءه، فتوعدهم بعذاب الحريق في الدنيا والآخرة،.
قال تعالى: “لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ” (آل عمران: 181).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فنهاية الأغنياء الذين أصيبوا بمرض المال والسلطة، مأساوية في الدنيا والآخرة في كل الحضارات وجميع الثقافات، كما أخبر رب البرية.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد