(7) مشروع الفسيلة… ودروس من الهجرة
من خلال المتابعة الدقيقة للأحداث والرصد المتوازن لتوالي الأزمات والدليل الواقعي والبرهان العملي لحقيقة الإسلام، الذي طبَّقه وأبدع فيه الرسول الكريم وأصحابه الأبرار، في العهد الأول للإسلام، كان لزامًا علينا الوصول إلى قناعة بالقدرة على مواصلة الإبداع وبإمكانية الابتكار، بل والقدرة على بناء قدراتنا الذاتية دون الاعتماد على الآخرين.
وإمكانية النهوض من جديد، وصناعة آلية في التقدم والازدهار، من خلال ابتكار طرق ووسائل اقتصادية وعلمية جديدة ومتفردة ومتجددة، بالرغم من الواقع المؤلم، تستطيع أن تصنع المعجزات وتحقق الإنجازات، وتستطيع أن تتعامل مع كل المفاجآت بهمة وحكمة واقتدار من خلال القدرة على إبداع أفكار رصينة ومحكمة عند الصمود والمقاومة، تثبت الجدارة في كل المواقع وترفض الواقع المزري والمهين.
الأمة غائبة عن رسالة الإسلام
وبالرغم من جهوزية كل عناصر المقاومة والنهوض والتقدم في جنبات الأمة، إلا أنَّك تجد الأمة غائبة، بل وواقعة وساقطة ومتخلفة في وجود وسيادة الفهم الخاطئ لرسالة الإسلام، وضيق الأفق عند بعض المنتسبين إليه، والمنكفئين على أنفسهم والمتعصبين لأفكارهم، والذين لا يقبلون أفكار الآخرين ونقضهم للذات ويعتقدون أنهم يملكون الحقيقة لوحدهم والكارهين للآخرين.
بالرغم من أن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وبالرغم من سماحة وعدالة الإسلام وقبوله للآخر أيًا كان هذا الآخر من البشر من أبناء آدم على سطح الكرة الأرضية، والذين يتمتعون جميعًا، بأفضال المنعم سبحانه وتعالى، لا فرق بين كافرهم ومؤمنهم، فلم يطرد الله العاصي من رحمته، ولم يحرم الله الكافر من رزقه بالرغم من كفره وإلحاده وظلمه لنفسه.
وبالرغم من توافر كل عناصر الوحدة والتجمع والتعاضد والتكاتف والتآلف والحب والإخاء واللغة والعيش المشترك المتوفرة على امتداد الأمة، وبالرغم من توافر كل عناصر التاريخ والجغرافيا التي تربط بين أبناء الأمة الواحدة، وبالرغم من الموقع الاستراتيجي المتفرد في منتصف العالم، وبالرغم من كل الخيرات التي تملأ الأمة عن آخرها، والتي يمكن استغلالها في إحداث طفرة نوعية في كل فروع العلم ومجالات المعرفة، للتخلص من الفقر والجوع والبطالة بالضربة القاضية، في وجود الرابط المخلص والمخلص من كل هذه الأهوال التي تفرقها، وتجعلها عالة على الآخرين.
تجد أن لفظ الأنا والأنانية المفرطة والشخصنة وحب الذات، متأصلة عند الجميع القادة والدهماء، على حد سواء وهي المتقدمة على كل ما عداها وعلى كل ما سواها، في غياب جلد الذات، وفي وجود ثقافة وجود الآخر، إلَّا من خلال كثرة الكلام الزاعق، دون فعل حقيقي على أرض الواقع.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر