مقالات

(9) الإسلام… والقبلتين

الإسلام صنع مزيجًا حضاريًّا راقيًّا قوامه الوسطية والاعتدال في كل أقضية الحياة وسط في العقيدة، وسط في العبادات، وسط في المعاملات، فحازت الأمة الإسلامية على الوسطية التي تجمع خير الدنيا وخير الآخرة، فقال تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ” (البقرة: 143).

ففي العقيدة كان الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى وسط بين الشرك والإلحاد، وتأكد هذا في الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي الصلاة كانت القبلة وسط الكرة الأرضية والتي تاكد فيها معنى الشهادتين والزكاة والصيام والحج، فكانت كلها وسط بوسطية القبلة.

وفي المعاملات بين الآخرين من غير المسلمين، كانت أمة وسط في البيع والشراء، في الزواج والطلاق وفي العمل والإنتاج وفي بناء الاسرة والمجتمع وفي كل شأن من شئون الحياة وفيها يؤكد الإسلام الحفاظ على مصالح الناس وصيانتها وحمايتها والدفاع عنها وفيه كانت النفس وسط  بين الروح والجسد.

الوسطية والاعتدال في أمور الحياة كافة

فكانت الوسطية شهادة على مكانه هذه الأمة عند ربها، كي تمكنها من الشهادة على الآخرين من أهل الكتاب وغيرهم وتجعل الرسول صاحب الدعوة والرسالة إلى هدايتها، شهيدًا على مدى التزام أمته بما جاء به من عند ربه سبحانه وتعالى، فتأهلها لهذه الشهادة قبل أن تشهد على الآخرين.

ومن هنا لم يكن غريبًا ولا عجيبًا أن تنقل القبلة من القبلة الأولى في بيت المقدس إلى القبلة الثانية في البيت الحرام وفيه مكة المكرمة التي تمثل وسط القارات ووسط الكرة الأرضية وهي أول قرية خلقت على ظهر الأرض ثم دحى منها الأرض، فكانت مكة أم القرى، فقال تعالى: “وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ” (الشورى: 7).

كما أنها أمة وسط في السياسة والشورى وإقامة العدل بين الناس وأمة وسط في الاقتصاد النابع من الحفاظ على الملكية العامة والملكية الخاص، فالإسلام يُشجع الغني ويحض على العمل والإنتاج ويعطي الفقير من زكاة ماله حتى، لا بحقد عليه فيسود التعاون بين الاثنين الغني والفقير وقد يصبح الغني فقير والفقير غني فيعطي من افتقر من زكاة ماله فيسود التكافل في جنبات المجتمع.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق